الذكاء الاصطناعي والإعلام: هل يعيد تشكيل صناعة الأخبار أم يشوه مصداقيتها؟
![](https://www.elveth.info/wp-content/uploads/2025/02/image-28.png)
مع التوسع المستمر للذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة، باتت العلاقة بين الإعلام والتقنيات الذكية محور اهتمام عالمي، نظرًا لما تحمله من إمكانات غير مسبوقة في إعادة تشكيل صناعة الأخبار وطريقة استهلاكها.
الإعلام اليوم يقف عند مفترق طرق، حيث تتسارع تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة مذهلة، بينما يحاول الصحفيون الحفاظ على دورهم في تقديم الحقيقة. ولم تعد أدوات مثل “شات جي بي تي” مجرد وسائل لتسهيل الوصول إلى المعلومات، بل أصبحت تفتح آفاقًا جديدة للمؤسسات الإعلامية لتطوير قدراتها بالاعتماد على تقنيات حديثة ومبتكرة.
هذا التحول السريع دفع عمالقة التكنولوجيا والمؤسسات الإخبارية الكبرى إلى بناء شراكات مع شركات متخصصة مثل “أوبن إيه آي”، في محاولة لمواجهة تحديات السوق وضغوط التحول الرقمي. ومع ذلك، فإن هذا التفاؤل التقني يصاحبه قلق متزايد حول دقة المحتوى وصحة المصادر ومدى تأثير هذه الأدوات على مصداقية الأخبار، خاصة عندما يصبح الذكاء الاصطناعي طرفًا أساسيًا في عملية الإنتاج الإعلامي.
الشعبية الكبيرة التي حظي بها “شات جي بي تي” منذ إطلاقه دفعت إدارة “غوغل” إلى إعلان “حالة الطوارئ”، ما يعكس مدى تأثير هذه التقنية على مستقبل البحث والمعلومات. لكن السؤال الأهم يظل: ماذا يحدث عندما يتحول هذا “الحليف الذكي” إلى مصدر للأخطاء والتضليل؟
في 31 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت “أوبن إيه آي” محرك البحث الخاص بـ”شات جي بي تي”، وهو منافس مباشر لمحركات البحث التقليدية مثل “غوغل” و”بينغ”. وأكدت الشركة في بيانها الصحفي تعاونها الوثيق مع قطاع الأخبار وحرصها على الإصغاء لملاحظات المؤسسات الإعلامية التي وقّعت معها اتفاقيات ترخيص المحتوى.
وعلى الرغم من أن هذا النهج قد يبدو تحسنًا مقارنة بالإطلاق الأول لـ”شات جي بي تي”، حينما جُمِع محتوى الناشرين دون إشعار أو موافقة مسبقة، إلا أن المسألة لا تزال تثير تساؤلات حول دقة المعلومات التي يقدمها. إذ أكدت “أوبن إيه آي” أن ناشري الأخبار يستطيعون التحكم في إدراج محتواهم ضمن نتائج البحث عبر إعدادات “روبوتس تي إكس تي” (robots.txt) في مواقعهم، لكن دراسة حديثة لمركز “تو” (Tow) للصحافة الرقمية كشفت عن تحديات كبيرة تتعلق بكيفية استشهاد “شات جي بي تي” بالمصادر الإخبارية.
وأظهرت الدراسة، التي أُجريت في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا، أن روبوت الدردشة يقدم استشهادات غير دقيقة أو مشوهة، حتى عندما يسمح الناشرون له بالوصول إلى محتواهم. كما أوضح الباحثون أن محركات البحث التقليدية مثل “غوغل” و”بينغ” تميل إلى تحديد المصدر الأصلي للاقتباس بدقة، في حين أن “شات جي بي تي” قد يختلق استشهادات أو ينسبها إلى مصادر خاطئة.
في بعض الحالات، قام “شات جي بي تي” بالاستشهاد بمواقع إلكترونية سرقت المحتوى الأصلي ونسبت التقارير الصحفية لنفسها، مما يعكس تحديات حقيقية في تصفية المعلومات والتحقق من مصداقية المصادر. وبحسب الباحثين، فإن هذا النهج قد يؤثر سلبًا على سمعة الناشرين، إلى جانب المخاطر التجارية المتمثلة في تحويل القرّاء إلى مصادر غير موثوقة.
أمام هذه التحديات، يبرز السؤال الأهم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق توازنًا بين السرعة والدقة، أم أن صناعة الأخبار ستواجه مستقبلًا تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والتضليل؟