هل يستجيب العرب بسرعة لصفقة مع إدارة بايدن أم ينتظرون نتائج انتخابات نوفمبر؟
تشير تقارير أميركية إلى جهود هادئة من قبل عدة دول عربية للترويج لتسوية مرتبطة بمستقبل قطاع غزة بعد الهجوم الإسرائيلي الحالي، وتلك الجهود قد حظيت بدعم من واشنطن.
تتجه هذه التسوية نحو تحقيق استقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط، حيث تتضمن ركائزها إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة ووضع إطار عملي لتأسيس دولة فلسطينية. وفي المقابل، يتوقع من هذه الدول العربية، بما في ذلك السعودية، توسيع مساحة التطبيع مع إسرائيل.
تقارير أشارت إلى اتفاق بين خمس دول عربية، وهي السعودية والإمارات وقطر، بالإضافة إلى مصر والأردن، على هذا النهج، والذي تم مناقشته مع واشنطن خلف الأبواب المغلقة.
تتفق هذه المبادرة العربية مع تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الذي أكد أربع مبادئ رئيسية لتصور إدارة الرئيس جو بايدن للمنطقة بعد انتهاء العدوان على غزة. وتتمثل هذه المبادئ في إقامة دولة للفلسطينيين وضمان أمان إسرائيل، بالإضافة إلى التطبيع، خاصة من جانب المملكة العربية السعودية، ومنع غزة من أن تكون قاعدة لهجمات مستقبلية على إسرائيل.
وأبرز وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في كلمته أمام منتدى دافوس، أهمية فرص حل إقليمي في الشرق الأوسط “لم تعرض لنا من قبل”.
تطرح هذه الخطوات تساؤلًا حول جدوى هذه الجهود في ظل انطلاق موسم انتخابي حاسم في الولايات المتحدة. ويتزامن ذلك مع انشغال بايدن بحملة انتخابية شديدة ضد المرشح المحتمل دونالد ترامب، مما قد يشكل تحديًا إضافيًا للتركيز على تحقيق اتفاق في ظل مستقبل إدارة قد تغادر البيت الأبيض بعد 10 أشهر في حال فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية.
شبح عودة ترامب
بعد فوز ترامب بانتخابات ولاية آيوا، أول جولات السباق التمهيدي للحزب الجمهوري، تتوقع توسيع الجدل بين بايدن وترامب في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل.
في خطابه بعد إعلان نتائج آيوا، أكد ترامب مجدداً أهمية تحقيق السلام في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنه لو كان في الحكم، لما تعرضت إسرائيل للهجوم، وأشار إلى الضرورة الملحة لحل القضية الفلسطينية.
تأتي هذه التصريحات في سياق تقديم ترامب لرؤيته المعروفة بـ “صفقة القرن”، والتي اعترف فيها بالقدس عاصمة لإسرائيل ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية. كما نجح ترامب في تعزيز عمليات التطبيع بين إسرائيل و4 دول عربية.
تتصدر ترامب استطلاعات الرأي في الشهور الأخيرة، مما أدى إلى تساؤلات حول جدوى التحرك العربي في هذا الوقت، فيما يطالب آخرون بضرورة التسريع في التسوية الإقليمية قبل انتهاء فترة رئاسية محتملة لترامب.
في هذا السياق، أشار السفير ديفيد ماك، الذي عمل سابقًا في الشؤون الشرقية بوزارة الخارجية الأميركية، إلى تفضيل نتنياهو وحلفاؤه لعودة ترامب وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس. وفي حديثه للجزيرة نت، أكد ماك على ضرورة تقديم دعم من قبل إدارة بايدن لإسرائيل للوصول إلى تسوية شاملة، مشيرًا إلى أهمية التعاون بين الدول العربية والسلطة الفلسطينية مع إدارة بايدن.
رغبة بايدن بنصر دبلوماسي
تسببت هجمات السابع من أكتوبر الماضي، والعدوان الإسرائيلي الذي نتج عنه، في خسائر فادحة بلغت حتى الآن حوالي 25 ألف قتيل وتدمير شامل لقطاع غزة، مما أدى إلى تبخر آمال إدارة الرئيس جو بايدن في تحقيق نجاح دبلوماسي متكافئ، إن لم يكن أكبر، بالمقارنة مع الإنجازات التي حققها الرئيس السابق دونالد ترامب في مجال التطبيع العربي الإسرائيلي، والمعروفة باتفاقات أبراهام.
وفي هذا السياق، أعرب تشارلز دان، الذي شغل مناصب رفيعة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية ويعمل حالياً كخبير في المعهد العربي بواشنطن وأستاذ في جامعة جورج واشنطن، عن توقعه بأن إدارة بايدن تدرك بشكل كامل الأثر الكبير الذي لحق بإسرائيل وتقديرها العام للتكاليف التي تكبدتها الفلسطينيون. ورغم اعترافها العام بتلك التأثيرات، إلا أنها لم تظهر فعالية خاصة في تلبية الاحتياجات الإنسانية أو الجوانب الدبلوماسية اللازمة لإنهاء الصراع.
وأشار دان إلى أن إدارة بايدن تفهم تماماً احتمال نشوب نزاع إقليمي على نطاق واسع نتيجة للأحداث التي جرت في السابع من أكتوبر، وأكد أنها تعمل بجد لتفادي ذلك. ومع ذلك، يظهر الرد العسكري والغارات الجوية في اليمن ومناطق أخرى تزايد احتمال حدوث تصعيد حاد، مما يشير إلى عدم تحقيق رد فعل دبلوماسي ناجح من قبل الإدارة الأميركية.
نتنياهو وسياسة كسب الوقت
في محاولة لتحقيق تسوية إقليمية، تواجه إدارة بايدن والدول العربية عقبات تتمثل في طبيعة حكومة نتنياهو، حيث يشكل وجود يمينيين متطرفين يعارضون المبادرات الإنسانية تجاه الفلسطينيين عائقًا لأي مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية. يظهر أن التصوّر العربي لتسوية مستقبلية يعتبره مسؤولون أميركيون حلاً منطقياً على المدى الطويل في المنطقة، ولكنه يبدو غير قابل للتحقيق في الوقت الحالي ما دام ائتلاف نتنياهو اليميني حاضراً في الحكم.
وفي هذا السياق، أكدت الباحثة أسال راد، التابعة لمؤسسة مجموعة أوراسيا، أن هناك حاجة ملحة للتعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة بشكل فوري، بغض النظر عن التحديات الداخلية والانتخابات الأميركية المقبلة. وعلى الرغم من أهمية التسوية الطويلة الأمد، مثل التطبيع، إلا أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة الأوضاع الراهنة في غزة.
من جهة أخرى، أشار تشارلز دان إلى أن حكومة نتنياهو تتأخر في التوصل إلى اتفاق، مع وجود آمال في إعادة انتخاب ترامب. وفي حين قد يكون الجانب الفلسطيني والعرب أكثر مرونة، إلا أنهم يواجهون تحديات في التنازل عن بعض المطالب في ظل التوترات المستمرة. وعلى الرغم من أن الأزمات الكبيرة غالبًا ما تكون دافعًا للتقدم، إلا أنه لا يزال يتعين على الأحداث والقادة التوافق على خطوات ملموسة لتحقيق تقدم في الوقت الحالي.