هل يتقابل البرهان وحميدتي في جيبوتي؟
يشهد السودان توترًا كبيرًا حاليًا، حيث ينتظر الرأي العام بفارغ الصبر اجتماعًا محتملاً بين قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”. يأتي هذا الاجتماع كخطوة حاسمة قد تمهد الطريق نحو وقف النزاع العنيف الذي استمر بينهما لمدة تقرب من 8 أشهر.
تتنافس مبادرتان للتوصل إلى اتفاق بين القادة العسكريين، حيث تعتمد إحداهما على الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” بهدف إيجاد حلاً أفريقيًا للأزمة السودانية. في الوقت نفسه، يقود رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك المبادرة الثانية، حيث أعلن يوم الاثنين الماضي عن إرسال خطابين إلى الجنرالين يدعوهما إلى اجتماع عاجل لمناقشة سبل وقف الحرب.
وفقًا لتقارير إعلامية نُشرت يوم الثلاثاء، فقد تسلم البرهان خطابًا من “إيغاد” يدعوه للاجتماع بـ”حميدتي” في جيبوتي يوم الخميس المقبل. وقد نقل المسؤول السوداني موافقته المشروطة للهيئة الأفريقية، دون أن تصدر الرئاسة في السودان تصريحات حتى الآن بخصوص الاجتماع المتوقع وجدول أعماله، مما يزيد من حالة الغموض التي تحيط به.
شروط
لم تعلق قوات الدعم السريع رسميًا على التحركات التي قامت بها الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، وفقًا لمصدر موثوق أفاد للجزيرة نت بأنهم لم يتلقوا حتى مساء الثلاثاء دعوة للاجتماع مع البرهان. وأكد المصدر أنهم وضعوا شروطًا محددة يجب تحقيقها قبل أن يجتمعوا معه على الطاولة.
من بين هذه الشروط، أن يكون البرهان ممثلًا للمنظومة العسكرية وليس مجلس السيادة، الذي وصفه المصدر بأنه فقد شرعيته. وأشار المصدر إلى أن تجاهل قادة الجيش لاعتقال قادة النظام السابق قد يعيق الاجتماع المرتقب.
على الجانب الآخر، أعلن “حميدتي” في منشور على منصة “إكس” مساء الثلاثاء عن موافقته غير المشروطة على لقاء البرهان، استنادًا إلى مبادرة حمدوك، دون الإشارة إلى دعوة من “إيغاد”. وأكد أنه يرحب بعقد اللقاء فورًا، وسيبدأون مباشرة في مناقشة ترتيبات الاجتماع، معربًا عن استعدادهم لأي جهد وطني يعمل على تحقيق السلام وإنهاء معاناة الحرب.
تشير تقارير دولية إلى أن عدد القتلى في النزاع في السودان بلغ ما لا يقل عن 12 ألف شخص، وتعرض الآلاف للجرح، بينما نزح نحو 5 ملايين آخرين خلال الأشهر الثمانية الماضية. توسع النزاع في الأسابيع الأخيرة إلى ولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد.
وفي تقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية، أكدت أن حوالي 300 ألف شخص فروا من المواجهات في ولاية الجزيرة في ديسمبر الجاري. يأتي هذا في سياق دعوة “إيغاد” إلى اجتماع طارئ في ديسمبر، حيث أعلنت عن تزامن تلك الدعوة مع التزام قادة الجيش وقوات الدعم السريع باللقاء والاتفاق على وقف الأعمال العدائية.
مع ذلك، عارضت وزارة الخارجية السودانية بيان “إيغاد” وأكدت أن البرهان شرط للقاء حميدتي إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الدعم السريع من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها، وهو ما لم تشر إليه سكرتارية “إيغاد” في بيانها.
عوائق
أفاد دبلوماسي رفيع في الوزارة، في تصريح للجزيرة نت، بأن الاجتماع الذي كان مقترحًا في جيبوتي يوم الخميس المقبل، قد تأثر بالتطورات الأخيرة على الأرض، خاصةً مع تمدد قوات الدعم السريع إلى ولايات الجزيرة وسنار. وأشار إلى أن هذه الأمور قد تكون عائقًا لتحديد الموعد المحدد للاجتماع.
وأضاف المصدر: “شرط البرهان كان انسحاب المليشيا من الجزيرة، لأن الموافقة على الاجتماع كانت قبل اجتياح ود مدني، وكان اللقاء سيناقش فقط انسحاب المليشيا من المدن ووقف إطلاق النار”. ولكنه أشار إلى أن المليشيا قد اجتاحت ود مدني ومحيطها، ولا يظهر حتى الآن كيف يمكن تجاوز هذا العقبة.
ويتعرض القادة العسكريين في السودان لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة وعدة دول حليفة لإنهاء النزاع والمشاركة في مفاوضات.
وفي مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التوصل إلى اتفاق لعقد اجتماع بين الجنرالين والتزامهما بوقف إطلاق النار. وأوضح بلينكن قائلًا: “يجب أن يحدث هذا اللقاء الآن، ونحن نضغط بقوة لتحقيق ذلك، هذا نتيجة لجهد وعمل يومي يقوم به دبلوماسيونا، بالإضافة إلى العديد من الشركاء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي وإيغاد، وشركاء آخرون”.
يكتسب لقاء الرجلين تحت أي من المبادرتين المقترحتين أهمية خاصة، حيث سيكون اللقاء الأول من نوعه منذ بداية النزاع المسلح، ويأتي ذلك في سياق يزيد من أهميته وجود قائد الدعم السريع بشكل علني لتبديد الشائعات حول مصيره. وأكدت مصادر عسكرية أن البرهان أبلغ وسطاء أفارقة بأنه لن يلتقي مباشرة إلا مع “حميدتي”، وأن تمثيل شخص آخر للدعم السريع في الاجتماع لن يكون مقبولًا.
من المتوقع أن يسفر الاجتماع عن نتائج قد تدفع نحو تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بإزالة العوائق الحالية، ويُرجى أن يمثل مصدرًا للطمأنة لملايين السودانيين حيال إمكانية إنهاء النزاع وبدء عمليات عودة النازحين.
تنازلات مطلوبة
وفقًا لعضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، علاء الدين نقد، يتأخر لقاء البرهان وحميدتي لفترة طويلة، ويرى أن التنسيق الفعّال بين منبري “إيغاد” وجدة يعزز فرص عقد الاجتماع. ويشير نقد إلى وجود عدة أسباب تستدعي التسريع في عقد اللقاء، منها التطورات الميدانية وتمدد الحرب إلى ولايات جديدة.
ويربط نقد نجاح الاجتماع بضرورة أن يتخلى قائد الجيش عن أنصار النظام السابق وكتائبه داخل الجيش. يضيف أنه في حال عدم تحييد تلك المجموعات، فإن السودان لن يستفيد من هذا اللقاء.
على الناحية الأخرى، يعتبر الخبير العسكري عمر أرباب أن القضية لا تتعلق بلقاء البرهان وحميدتي، بل بقدرتهما على وقف الحرب وتحقيق السيطرة الكاملة على القوات، وفرض إرادة السلام في ظل التحشيد الحاصل حاليًا. ولا يظهر أرباب تفاؤلًا بشأن اللقاء والعملية التفاوضية في هذه المرحلة.
يؤكد أرباب أن الوضع يحتاج إلى تنازلات كبيرة من الأطراف السياسية والعسكرية والمجتمعية، نظرًا لتعقيدات الصراع الحالي والأبعاد المتعددة للصراع. يشير إلى أن هذه المعركة اتخذت أبعادًا مختلفة، مثل البُعد العسكري بين الجيش والدعم السريع، والبُعد السياسي بين الإسلاميين وقوى الحرية والتغيير، والبُعد الإثني الذي قد يتحول إلى تحالفات أخرى تعقد الأوضاع وتدفع البلاد نحو حرب أهلية.
يُظهر اللقاء المنتظر بين البرهان وحميدتي تحديات كبيرة، وفقًا لرأي المحلل السياسي عثمان فضل الله. يعتبر فضل الله أن نجاح الرجلين في التفاوض ووقف الحرب قد يفتح الباب للحل السياسي. ومع ذلك، يشدد على أن فشل اللقاء قد يعني تعقيد جميع الجهود المبذولة لتحقيق السلام، نظرًا لأن البرهان وحميدتي يمثلان القمة العليا وليس هناك بدائل بعد فشلهما.
ويُشير فضل الله إلى أن القوات السودانية تعيش حالة من الضعف، مما يجعل البحث عن السلام أمرًا ضروريًا. ويضيف أن الأطراف المتحاربة لديها تحالفات لا ترغب في وقف الحرب، حيث يتحالف الجيش مع إسلاميين لا يرغبون في إنهاء القتال، بينما يتحالف الدعم السريع مع مليشيات وعصابات تسعى جاهدة للاستمرار في الحرب والاستفادة من النهب. وهذا يجعل توقيع اتفاق نهائي لوقف الحرب أمرًا صعبًا.