هل تؤثر توترات البحر الأحمر في اقتصاد المغرب؟
تثير الأزمة في البحر الأحمر جدلاً في المغرب حول تأثيرها المحتمل على الاقتصاد المحلي، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة، مثل الجفاف وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
تعاني منطقة جنوب البحر الأحمر، وبالذات مضيق باب المندب، من هجمات شنتها جماعة الحوثي على سفن تابعة لإسرائيل منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وامتدت لتشمل لاحقًا السفن الأمريكية والبريطانية، وذلك احتجاجاً على الأوضاع في فلسطين.
يثير هذا التطور قلقًا بين أصحاب الشركات والمهنيين في المغرب بشأن تأثير التوترات في البحر الأحمر على أسعار الطاقة، وكيفية انعكاس ذلك على الأسعار بشكل عام، خاصة أن المملكة تعتمد بنسبة تزيد عن 90% على استيراداتها من الطاقة.
عودة التضخم
تثير المخاوف في المغرب، على غرار العديد من الدول، من عودة التضخم للارتفاع مجددًا في حال استمرار الأزمة، خاصة مع بدء العديد من السفن في اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الواقع جنوب دولة جنوب أفريقيا، كبديل لمضيق باب المندب والبحر الأحمر.
تأتي هذه المخاوف في أعقاب اثارة برلمانية مغربية قضية توقيف شركة متخصصة في توريد وتوزيع المحروقات وبيعها، والتي تمتلك عقدًا مع المغرب لمدة 12 عامًا، حيث يتم شحن جميع شحناتها عبر البحر الأحمر باتجاه ميناء غير محدد.
أزمة مفاجئة
يعتبر الخبير الاقتصادي المغربي، عمر الكتاني، أن توترات البحر الأحمر ستؤثر على الاقتصاد المغربي على المدى القصير، مما يستدعي من المملكة البحث عن بدائل لتجنب استمرار هذا التأثير. وفي تصريح لوكالة الأناضول، أوضح الكتاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن التأثير سيكون على مستوى ارتفاع أسعار شحنات السفن. وأشار إلى أهمية أن تبحث البلاد عن بدائل لتأمين حاجياتها من السلع بأسعار مناسبة، باستخدام ممرات أخرى، خاصة أنها تستورد كثيرًا من السلع من الصين التي تمر عبر هذا الممر. وعلى الصعيد الاقتصادي.
يعتبر الكتاني أنه من الضروري للمغرب التحكم في توجيهات الطاقة وتعزيز الطاقات المتجددة، نظرًا لصعوبة التنبؤ بما يحدث على المستوى الدولي في هذا القطاع. وأضاف أنه من الضروري وضع برنامج يشمل توقعات للأخطار المحتملة خلال السنوات القليلة المقبلة، والاعتماد على هذه التوقعات لوضع البدائل والاستراتيجيات اللازمة. وشدد على أهمية تنويع شركاء المغرب التجاريين وبناء موانئ على الساحل الأطلسي لتكون محطات لاستقبال أو مرور السفن.
خاصة في جنوب البلاد، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات مع الدول الأفريقية. في سياق متصل، حذرت النائبة في البرلمان المغربي، فاطمة الزهراء باتا، من تأثير التوتر في البحر الأحمر على قطاع الطاقة في البلاد، مع التركيز على توقيف شركة معينة في توريد المحروقات، التي تستورد شحناتها عبر البحر الأحمر، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة التوريد.
ودعت الحكومة للكشف عن تأثير التوترات على سوق المحروقات المحلية، والتأثير على سلاسل التوريد والتوزيع وأسعار البيع في المغرب. ولم يتم الرد على التساؤلات حتى الآن من قبل الحكومة المغربية.
الأزمة محدودة
يرى مديح وادي، اقتصادي مغربي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك، أن توترات البحر الأحمر ليس لها تأثير حاليا على البلاد من حيث ارتفاع الأسعار.
وفي تصريح لوكالة الأناضول، أوضح وادي أن البيانات الحالية لا تظهر تأثير ارتفاع تكاليف النقل البحري على الأسعار في المغرب بسبب توترات البحر الأحمر. وأكد أن هذه التطورات لا تؤثر حاليا على المستهلكين في البلاد، خاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية، حيث شهدت أسعار الوقود انخفاضًا خلال يناير وفبراير الماضيين.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية في المغرب لا يعود إلى توترات البحر الأحمر، ولكن يمكن أن يكون بسبب عوامل أخرى مثل الاضطرابات السوقية والتدخلات الوسيطة.
وحذر من أنه قد يكون هناك تأثير ارتفاعي على الأسعار في حال استمرار التوترات في منطقة البحر الأحمر لعدة أشهر، خاصة بالنسبة للواردات من مضيق باب المندب.
وفي الأسبوع الماضي، حذر البنك الدولي من أن استمرار التوترات في البحر الأحمر قد يسبب أزمة في سلاسل الإمداد، مشيرًا إلى ما حدث خلال جائحة كوفيد-19.
أكد البنك الدولي أن أسعار الشحن من آسيا إلى أوروبا قفزت إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف، ووصلت إلى حوالي 3000 دولار لكل حاوية سعة 40 قدمًا، مقارنة بأدنى معدل سجّل في عام 2023.
وشهدت التوترات في البحر الأحمر تصعيدًا ملحوظًا منذ استهداف الحوثيين في 9 يناير الماضي سفينة أمريكية مباشرةً، بعد استهدافهم سابقًا سفن شحن تابعة لإسرائيل أو تحمل بضائع مرتبطة بها، في إطار التضامن مع قطاع غزة.
وفي يناير الماضي، أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بالتنسيق مع عدة دول أخرى، عن شن هجمات مشتركة ضد أهداف تابعة للحوثيين في اليمن ردًا على هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر.
وتوسعت هذه الهجمات في وقت لاحق لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية، وذلك تضامنًا مع قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة منذ أكتوبر 2023، والتي تتلقى دعمًا أمريكيًا واسع النطاق.