ثقافة

نضال عريق متجدد أي دور يلعبه حراك الجامعات بالساحة السياسية؟

يوحي مصطلح “الحياة الجامعية” بالأنشطة غير الأكاديمية واكتساب المهارات الحياتية وبناء شبكة علاقات تعود بالنفع على الطالب. تسعى إدارات الجامعات لتوفير هذه الأنشطة وتطويرها، بل وتروج لها كميزة تميزها عن الجامعات الأخرى. إلا أن هناك معنى آخر يختبئ خلف هذا المصطلح، يتعلق بالتعبير الجماعي للطلاب عن مواقفهم من سياسات الجامعة، وأحياناً سياسات الحكومة، وهو ما يزعج الإدارات المعنية ويُعرف بـ “الحراك الجامعي”.

يعود الكاتب يوليسيس علي ميجياس بالتاريخ إلى عام 1530، ليذكر حادثة احتجاج طلاب جامعة بولونيا بإسبانيا على السياسات الاستعمارية “الوحشية” لحكومة دولتهم في الأميركتين، مما دفع الكنيسة الكاثوليكية للتدخل وإرسال الكاهن خوان جينيس دي سيبولفيدا المعروف بتبرير سياسات الاستعباد وإبادة السكان الأصليين للتعامل مع “الطلبة المتحمسين”.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، لا تزال الجامعة جزءًا من الحراك الاجتماعي المزعج للسلطات. وفي هذا التقرير، سنعرض بعض النماذج الحديثة حيث كان الحراك الطلابي في طليعة الدفاع عن القضايا الاجتماعية والسياسية.

طلاب في مقاومة الاحتلال

نبدأ من فلسطين، حيث تعيش الجامعات في قلب المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي. يدفع الطلاب والأساتذة والإداريون ثمناً لحراكهم داخل الجامعات. يذكر الدكتور عبد العزيز الشوابكة من جامعة بيرزيت أنه شارك في مظاهرة عام 1974 بقيادة رئيس الجامعة الدكتور حنا ناصر بعد خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة، حيث واجهوا قوات الاحتلال التي حاولت ترهيبهم. أصر الدكتور ناصر على التقدم ودفع ثمن ذلك بإبعاده 19 عاماً خارج فلسطين. لم توقف عقوبة الدكتور ناصر الحراك الجامعي، فقد كان جزءًا من العقلية الطلابية في جامعة بيرزيت والجامعات الفلسطينية الأخرى.

مقاومة وحراك اجتماعي

في تونس، يعود أصل الحراك الطلابي إلى فترة الاحتلال الفرنسي مع منظمة عموم طلبة شمال أفريقيا المسلمين في فرنسا وجمعية الطالب التونسي وصوت الطالب الزيتوني. قبل الاستقلال بثلاث سنوات، انصهرت هذه المنظمات تحت مظلة الاتحاد العام للطلبة التونسيين الذي تحول لاحقاً إلى الاتحاد العام لطلبة تونس.

بعد الاستقلال، استمر الحراك الطلابي في مواجهة السلطة. واجهت الاتحادات الطلابية القمع والاعتقالات، خاصة خلال محاولات الرئيس الحبيب بورقيبة ونظام زين العابدين بن علي لقمعها. بعد ثورة 2011، عاد الزخم للاتحادات الطلابية لتتصدر المشهد في التحولات السياسية والاجتماعية.

نافذة للمجتمع المدني

لا يقتصر الحراك الطلابي على مواجهة الاحتلال أو النضال السياسي، بل يمتد ليشكل ركيزة أساسية في المجتمع المدني، كما في الجامعات الغربية التي تخوض حراكاً غير مسبوق احتجاجاً على الدعم الأميركي للحرب الإسرائيلية على غزة. يولي اللوبي الصهيوني في بريطانيا أهمية كبرى للاتحادات الطلابية، ويعمل على إنشاء مجموعات شبابية داخل الأحزاب السياسية للتأثير في اتحاد الطلبة.

الحراك الطلابي بالديمقراطية الأولى

يعود الحراك الطلابي في الولايات المتحدة إلى عام 1920، حيث تظاهر الطلاب ضد التمييز والعنصرية. اليوم، يعيد الطلاب مشاهد الاحتجاجات من الستينيات والسبعينيات، حيث تندلع احتجاجات في حرم الجامعات ضد سياسات الحكومة والحرب على غزة. يرى بعض الأكاديميين أن الحراك الطلابي قد يساهم في إحداث تغيير قوي في النموذج السياسي الحالي.

ختاماً، يستند باحثون إلى مفهوم الأكاديمية التي أسسها أفلاطون لتعريف الجامعة على أنها مكان لإثبات الوجود واكتساب الخبرة والتعرف إلى الحياة، وهو ما يطمح الطلاب لتحقيقه من خلال حراكهم الجامعي.

زر الذهاب إلى الأعلى