من السياسة إلى العمالة وصولاً للمرتزقة: فهم دوافع دعم الهند لإسرائيل
تشهد السياسة الهندية تغيرًا جذريًا في موقفها تجاه القضية الفلسطينية، حيث انتقلت من دعم شعب فلسطين المنكوب تحت الاحتلال إلى دعم للجانب الإسرائيلي، وهذا التحول لم يقتصر فقط على الأبعاد السياسية والاقتصادية وإنما امتد إلى الجانب العسكري أيضًا. هذا الانتقال المفاجئ يثير تساؤلات كثيرة حول الأسباب والدوافع.
في السابق، كانت الهند تتبنى مواقف داعمة لحقوق الشعوب والمبادئ الإنسانية، حيث صوّتت ضد تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في عام 1974، وأقرت دولة فلسطين في عام 1988.
ومع ذلك، شهدت العلاقات الهندية الإسرائيلية تطورًا ملحوظًا، حيث أقامت الهند علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1992، وتزايدت التعاونات بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتكنولوجية.
تُعزى أسباب هذا التحول إلى عدة عوامل، من بينها الاهتمام المتزايد بالتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، والتحولات الاستراتيجية في المنطقة، بالإضافة إلى الضغوط الدولية والتحالفات الجديدة التي تشكلت على الساحة الدولية. كما قد تلعب العوامل الداخلية في الهند، مثل الاقتصاد والسياسة الداخلية، دورًا في هذا التحول.
دعم سياسي
على الرغم من السياسة التاريخية التي اتبعتها الهند في دعم قضية فلسطين، إلا أنها شهدت تحولًا كبيرًا في مواقفها مع وقوع عملية “طوفان الأقصى”، التي نُفذت من قبل المقاومة الفلسطينية في أكتوبر الماضي.
بشكل مفاجئ، أبدت الهند دعمًا سريعًا وملحوظًا لإسرائيل عقب هذه العملية، حيث كانت من أولى الدول التي أدانت الهجوم، بما في ذلك رئيس الوزراء ناريندرا مودي ووزير خارجيته سوبرامانيام جايشانكار. وأكد جايشانكار أن الهند قد تواجه نتائج مماثلة إذا لم تواجه التطرف.
بالإضافة إلى ذلك، امتنعت الهند عن التصويت لصالح وقف إطلاق النار في غزة في الأمم المتحدة، مما يعكس دعمها القوي لإسرائيل. وظهر هذا التحول أيضًا في سلوك القوميين الهندوس المتطرفين، الذين قاموا بحملة لتشويه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لصالح النسخة الإسرائيلية من الأحداث في غزة، بهدف تعزيز خطابات معادية للإسلام.
بالإضافة إلى ذلك، سمحت السلطات الهندية بالتظاهرات الداعمة لإسرائيل في مختلف أنحاء البلاد، في حين قمعت الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين. هذا التحول المفاجئ في المواقف الهندية يشير إلى تحول كبير في السياسة الخارجية للبلاد.
عمالة هندية
بالرغم من تصاعد الصراع والخطر الذي يشكله على حياة الأفراد، فإن عدد العمال الهنود الذين يتجهون إلى إسرائيل في ازدياد، خاصة في مجال البناء، بعد رحيل آلاف العمال الآسيويين وتجنيد العديد من جنود الاحتياط الإسرائيليين، إلى جانب إلغاء تصاريح العمل لأكثر من 130 ألف عامل فلسطيني.
رئيس مركز لكناو للتدريب الصناعي، راج كومار ياداف، يشير إلى أن مكاتب التوظيف الإسرائيلية تبحث حالياً عن ما لا يقل عن 10 آلاف عامل بناء، برواتب شهرية تصل إلى 140 ألف روبية (نحو 1688 دولار)، ويؤكد أن هذا البرنامج يحظى بدعم السلطات الهندية.
وفي تحقيق نُشر مؤخراً في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تم الإشارة إلى أن ملايين الهنود يحلمون بالحصول على تأشيرة عمل في إسرائيل بفضل العلاقات الوطيدة بين رئيس حكومتهم ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على حساب العمال الفلسطينيين الذين تم طردهم من سوق العمل.
وأشار التقرير إلى أن مئات الأشخاص، تتراوح أعمارهم بين 24 و46 عاماً، ينتظرون في طوابير طويلة تقدم سيرهم الذاتية، وذلك رغم الظروف القاسية للطقس.
واللافت في هذه العملية هو أن خبراء إسرائيليين يشرفون على الاختبارات في الهند ويختارون المرشحين، وفقاً لما أفاد به القائم بأعمال السفارة الهندية في تل أبيب.
وزيرة النقل الإسرائيلية، ميري ريغيف، نشرت على منصة إكس الأسبوع الماضي، معلنة رغبة إسرائيل في تقليل الاعتماد على العمالة الفلسطينية. وقبل ذلك بشهر، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نظيره الهندي إلى تنفيذ اتفاقية عام 2023 التي تسمح بتوظيف 40 ألف عامل هندي في قطاعي البناء والتمريض.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت ولايتان هنديتان، هريانا وأوتار براديش، عن فتح 10 آلاف وظيفة في تخصصات معينة، في حملة دعائية واسعة النطاق في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، مع التأكيد على الدعم المقدم للحليف الإسرائيلي. وما لفت الانتباه في هذه الحملة هو التصريح بأن الهنود المسلمين لا يجب أن يقدموا طلبات للمناصب المعلن عنها، مما يعني استبعادهم.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “غلوبز” الإسرائيلية، المتخصصة في الاقتصاد، أن دفعة تضم ألف عامل من الهند وصلت مؤخراً كجزء من تجربة في المرحلة الأولى من خطة لجلب ما لا يقل عن 65 ألف عامل.