مستقبل الورقة الفرنسية حول تموضع حزب الله وفصل جبهتي لبنان وغزة: ما الذي ينتظرها؟
تعاظمت المساعي الدولية والإقليمية لحل الصراع المستمر في المنطقة الحدودية المتوترة بين لبنان وإسرائيل بعد تصاعد العنف بين حزب الله والقوات الإسرائيلية بعد “طوفان الأقصى”.
تركزت جهود التسوية على تنفيذ القرار الأممي 1701 الذي يدعو إلى وقف العمليات القتالية في لبنان، بما في ذلك نزع السلاح عن حزب الله، ولكن تحالفات المصلحة تدفع الآن نحو ضغط دولي لفصل المواجهة في جنوب لبنان عن الوضع في غزة.
في هذا السياق، قدمت فرنسا “الورقة الفرنسية” إلى لبنان، والتي تحتوي على مقترحات لوقف التوتر بين حزب الله وإسرائيل، حيث تتمحور هذه المقترحات حول مفهوم “إعادة تموضع” حزب الله، بدلاً من مطالب سابقة بابتعاده عن الحدود بمسافة محددة.
رغم تسليم حزب الله هذه الورقة دون اعتراضات كبيرة، إلا أنه يظل متمسكًا بمواقفه بشأن استمرار النضال ضد إسرائيل، مع اشتراط وقف العدوان الإسرائيلي على غزة قبل أي تفاوض بشأن جنوب لبنان.
من جانبها، قدمت الورقة مجموعة من الاقتراحات التي تهدف إلى وقف الاشتباكات وتهيئة المناخ للحوار، بما في ذلك العودة للنازحين اللبنانيين والإسرائيليين، وتشكيل لجنة خماسية لحل النزاعات الحدودية وتحديد الملكية على الأرض المتنازع عليها.
هذه الجهود تعكس التزام الدولي بحل الصراعات المستعصية في المنطقة وتأمين الاستقرار الإقليمي، ولكن تبقى تحديات كبيرة أمام عملية التسوية بسبب تعقيدات الأوضاع والتنافسات الإقليمية والدولية المتشعبة.
ضغوط
تتقاطع “الورقة الفرنسية” مع الورقة الأميركية التي سبق أن قدمها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بين تل أبيب وبيروت.
يشير حمادة للجزيرة نت إلى أن من مهام اللجنة الخماسية المتوقعة، تثبيت الحدود بين لبنان وإسرائيل وفقًا لخرائط 1926 واستناداً إلى اتفاق الهدنة بين الطرفين عام 1949، مع محاولة إنهاء النزاع الحدودي بصورة كاملة من نقطة بي1 “b1” في رأس الناقورة حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وتشمل مهامها الأخرى الدفع نحو الالتزام بالقرار 1701 كغطاء دولي بين الطرفين. وتتحدث حمادة عن مساع جديدة، تعمل على تهيئة الأرضية لتفاوض غير مباشر بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي في باريس، بواسطة فرنسية، على طريقة المفاوضات التي جرت بين أميركا وإيران في فيينا.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر (مقرب من حزب الله)، إن الحزب لن يناقش أي طرح، حتى لو تسلمه، قبل وقف العدوان على غزة، خصوصًا في البند المتعلق بإعادة التموضع جنوب الليطاني.
ويتحدث عن ضغوط إقليمية عديدة تتم ممارستها على لبنان، حيث “تطالب السعودية ومصر مثلاً، لبنان بفصل مصير الجبهتين وإن كانتا لا تجاهران بذلك”.
ويضيف عبد الساتر للجزيرة نت أن الأصوات اللبنانية المعارضة لحزب الله والتي تتماهى مع المطالب الدولية، ليس لها وزن ميدانيًا أمام قوة الحزب وحضوره الحدودي وفي الجنوب.
ويلفت إلى أن حكومة ميقاتي أعربت أكثر من مرة عن التماهي مع ما يريده حزب الله، على قاعدة أنها لا يمكن أن تمضي بأي طرح بمعزل عن رغبته، وهو “صاحب اليد الطولى في الجنوب”.
قدرات عسكرية
يلاحظ الكاتب عبد الساتر أن كل من باريس وواشنطن تسعيان في النهاية إلى تحقيق مصلحة إسرائيل وتفادي تصاعد الصراع نحو لبنان، حيث تدركان قدرة حزب الله العسكرية الهائلة التي تتفوق بكثير على قدرات المقاومة الفلسطينية التي لم تنجح إسرائيل في هزيمتها حتى الآن.
وفي رأيه، فإن فرنسا لم تفقد الأمل في استعادة مكانتها في الملف اللبناني بعد الفشل الذي تكبده جميع مبادراتها بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.
توقع المحللون أن تقبل واشنطن بالورقة الفرنسية إذا وافق حزب الله على وقف إطلاق النار.
وبالنسبة لرد فعل لبنان على هذه الطروحات، يشير المحلل علي حمادة إلى أنه سيكون بشكل عملي ردًا من حزب الله الذي ينقل موقفه للحكومة ورئيس مجلس النواب للموافقة عليه. وتتوقع الكثير من الأصوات استمرار إصرار الحزب على رفض وقف إطلاق النار قبل وقف العدوان في غزة.
حسب تقديره، فإن هذا الملف محصور إقليميًا بين فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة، مع وجود إيران في الخلفية، وسيظل قائمًا حتى يتم تحديد مصير الصراع في قطاع غزة. ومن المتوقع أن يرد رئيس مجلس النواب على الورقة الفرنسية التي تسلمها من السفارة الفرنسية في الأيام القادمة.
أما الكاتب فيصل عبد الساتر، فيتوقع أن تترقب تل أبيب الرد، حيث تسعى الآن إلى وقف عمليات حزب الله ضدها بأي ثمن يحفظ مصلحتها ويزيل الخطر عن المستوطنين في الشمال.