ما حدود رد إيران على اغتيال مستشاريها العسكريين في سوريا؟
في يناير 2024، كانت تلك الفترة أحد الأوقات الصعبة بالنسبة للإيرانيين، حيث ارتبط هذا الشهر بأحداث دامية تاريخية، وأصبح اسمه يثير الخوف بين الناس بشكل يشبه رهاب الرقم 13. وكانت بداية الشهر تحمل في طياتها مأساة مروعة، حيث شهدت مدينة كرمان تفجيرًا مزدوجًا استهدف حفلًا، أسفر عن مقتل نحو 100 شخص وإصابة المئات.
تبع ذلك توتر طارئ في العلاقات بين طهران وكل من أربيل وإسلام آباد، نتيجةً للقصف الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري على مواقع يسميها “معاقل الإرهابيين في باكستان ومقر للموساد في شمال العراق”. وفي صباح أحد الأيام، تلقى الإيرانيون صدمة جديدة بخبر مقتل خمسة من كبار المستشارين العسكريين في غارة إسرائيلية على حي المزة في العاصمة السورية، ومن بين القتلى يوسف أميد زاده، الذي كان يشغل منصب مسؤول وحدة الاستخبارات في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، إلى جانب نائبه الحاج غلام.
تأتي هذه الأحداث المأساوية في سياق زمني قصير، حيث تم اغتيال الجنرال رضي موسوي، المسؤول عن وحدة إسناد “محور المقاومة” في سوريا، قبل أقل من شهر، جراء قصف صاروخي إسرائيلي على منزله في منطقة السيدة زينب بدمشق. وكان قد مضى شهر تقريباً على مقتل مستشارين آخرين اثنين في غارة مماثلة بضاحية دمشق.
انكشاف أمني
شهدت الأحداث الأخيرة، وتحديدًا عملية الاغتيال التي جرت أمس، إعادة تسليط الضوء على التساؤلات المستمرة بشأن سبب تعرض الوجود الإيراني للانكشاف الأمني على الأراضي السورية. لقد شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية على أهداف إيرانية في سوريا خلال العقد الماضي، إضافة إلى سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت علماء إيرانيين، وعمليات “تخريبية” تستهدف منشآتها النووية والعسكرية داخل إيران.
كشف مراسل الشؤون العسكرية في وكالة أنباء تسنيم، محمد مهدي يزدي، عن مقتل على الأقل 20 مستشارًا عسكريًا إيرانيًا في الغارات الإسرائيلية على سوريا خلال العقد الأخير. في تغريدة على منصة إكس، أشار يزدي إلى استشهاد 4 مستشارين عسكريين في قصف إسرائيلي على ريف دمشق، وآخر في جنوبي حي السيدة زينب، خلال العام الإيراني الجاري.
وألقى مغردون إيرانيون اللوم على بعض الدول الأجنبية، التي تحتفظ بعلاقات قوية مع النظام السوري، بتسريب معلومات أمنية إلى إسرائيل حول الأهداف الإيرانية في سوريا.
وفي تحليله للوضع، رأى الباحث في الشؤون الأمنية، محمد قادري، أن الاغتيالات التي تنفذها تل أبيب ضد الإيرانيين تعد استجابةً للضربات التي تتلقاها من طهران، خاصة مع تفكيك الأخيرة للعديد من الخلايا التجسسية الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية.
حرب شاملة
في حديثه للجزيرة نت، أكد الباحث في الشؤون الأمنية، محمد قادري، أن بلاده تشارك في “حرب سجال” تمتد على مستوى واسع، خاصة في النطاقين الأمني والسيبراني، وتستهدف الكيان الصهيوني. ووصف التصعيد الأخير الذي قامت به إسرائيل ضد قوات إيران في سوريا بأنه “دليل فاضح على فعالية جهود تلك القوات على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وفيما يتعلق بتعرض الأهداف الإيرانية للاكتشاف من قبل إسرائيل في سوريا، أشار قادري إلى أن “طهران ما زالت تحتفظ بالمبادرة في الحرب الأمنية مع إسرائيل”. وقال إن إيران نجحت في تجنيد عميل على مستوى وزير في الحكومة الإسرائيلية سابقًا، ما أسفر عن الحصول على معلومات ذات قيمة عالية.
وفي سياق آخر، أوضح قادري أن “عمليات الاغتيال والرد المضاد بين إسرائيل وإيران لا تزال مستمرة، خاصة بعد نجاح إيران في ترسيخ مواجهتها مع إسرائيل خارج حدودها”. وأشار إلى أنه على عكس طهران، التي لا تخفي تلك الأحداث الحساسة إعلاميًا، يتمتع الكيان الصهيوني بسرية تغطي معظم الضربات التي يتلقاها، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، من الجمهورية الإسلامية.
سياسة الاغتيالات
أفاد الباحث في الشؤون الأمنية، محمد قادري، بأن سوريا تحولت إلى ساحة لأنشطة أجهزة الأمن الأجنبية بعد أحداث عام 2011. وأشار إلى أن بعض الدول الصديقة التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إيران وسوريا تتعاون مع إسرائيل، مما يفتح الباب لاحتمالية تسريب بيانات حول الأهداف الإيرانية في سوريا إلى العدو الإسرائيلي.
وفي سياق متصل، يرى طيف من الإيرانيين أن إسرائيل اتخذت سياسة الاغتيالات ضد قادة “محور المقاومة” بعد فهمها لعملية “طوفان الأقصى”، وأنها وجدت في سوريا فرصة مناسبة للانتقام من “فيلق القدس”، الذراع الخارجية للحرس الثوري. وهذا يفتح الباب أمام الجانب الإيراني وحلفائه للرد على المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
ويعتبر المحلل السياسي، علي رائفي بور، الغارة على حي المزة في دمشق دليلاً على “فاعلية الهجوم الإيراني في أربيل، وتأثيره الكبير على الصهاينة”. وأضاف أن “بعد الاغتيالات التي وقعت يوم السبت، أصبح من مسؤولية محور المقاومة توجيه ضربة أكثر فاعلية ودقة، هذه المرة ضد إسرائيل”.
وفي تغريدة على منصة إكس، أكد رائفي بور أن “محور المقاومة جعل الحرب على إسرائيل تصبح استنزافية ومعقدة ومتنوعة وشاملة، مما يضع العدو الإسرائيلي في موقف لا يحسد عليه.
ضربة بضربة
يرى منصور حقيقت بور، القيادي السابق في الحرس الثوري والمساعد الأسبق للجنرال قاسم سليماني، أن التصعيد الإسرائيلي في اغتيال المستشارين الإيرانيين في سوريا وقادة حزب الله اللبناني والمقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية يأتي في إطار سياسة حكومة اليمين الإسرائيلي لفتح جبهة جديدة تخرجها من مأزق غزة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر حقيقت بور أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد فشل في جذب إيران إلى معركة غزة بهدف توريطها في صدام مع الولايات المتحدة. ويشدد على أن نتنياهو يقوم حاليًا بتصعيد الأوضاع على الحدود اللبنانية والسورية، بهدف الحصول على ذريعة لفتح جبهة جديدة في لبنان، قد تجبر طهران على توجيه ضربات مباشرة لدعم حزب الله.
ويضيف بور أن القصف الإيراني لمقر الموساد في أربيل شمالي العراق، الأسبوع الماضي، كان ردًا على اغتيال الكيان الإسرائيلي للقائد في الحرس الثوري موسوي في سوريا، وأن طهران سترد بضربة أكثر إيلامًا على الغارة الإسرائيلية في حي المزة السوري.
ويؤكد القائد السابق في الحرس الثوري أن إيران ستكون هي التي ستحدد الزمان والمكان المناسبين للرد على المغامرات الإسرائيلية، وأنها لن تلتزم بتوقيت إسرائيل، مؤكدًا أن إيران لا تخشى تبني سياسة “الضربة بضربة” في مواجهة إسرائيل، وأن المواجهة ستستمر حتى تحقيق الانتقام النهائي من الاحتلال الإسرائيلي.
في سياق آخر، يحذر منظر ثالث من الأوساط الإيرانية من استفحال براعم الحرب وتحولها إلى تنين يمكن أن يلتهم المنطقة بأسرها.