ثقافة

ماريو فارغاس يوسا: رحلة أدبية من اليسار إلى نوبل وتحديات الحرية الفكرية

على الرغم من مرور ما يقارب الثلاثة عقود بين فوز غابرييل غارثيا ماركيز بجائزة نوبل وإعلان فوز الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا بنفس الجائزة، ظلت قناعة راسخة في الأوساط الثقافية بأن يوسا سيحصل عليها في نهاية المطاف. وقد كانت اسمه يتردد في كل عام ضمن قائمة المرشحين، حتى تحقق ذلك بالفعل.

لطالما ارتبط اسم يوسا بغارثيا ماركيز، سواء من خلال صداقتهما المشتركة مع الرئيس الكوبي فيديل كاسترو أو الخلافات التي اندلعت بينهما ووصلت إلى حد الاشتباك الجسدي.

يوسا كان أحد “العمالقة الأربعة” في الأدب اللاتيني إلى جانب الأرجنتيني خوليو كورتاثار، المكسيكي كارلوس فوينتس، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. هؤلاء الكتاب كانوا رموزاً لما عُرف بطفرة الرواية في أمريكا اللاتينية خلال الستينيات، وقد سطروا أسماءهم على خريطة الأدب العالمي إلى جانب الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، الذي كان له دور محوري في تشكيل ملامح الأدب اللاتيني في القرن العشرين.

رواية “حرب نهاية العالم” كانت أحد أهم أعمال يوسا التي فتحت له أبواب نوبل في عام 2010. هذه الرواية، التي تتجاوز 700 صفحة في نسختها العربية، تسرد أحداث الحرب الأهلية التي اندلعت في شمال البرازيل أواخر القرن التاسع عشر، مقدمة لوحة جدارية رائعة حول تطلعات البشر في البحث عن المدينة الفاضلة.

اعتمد يوسا في هذه الرواية على أحداث حقيقية، لكنه أضاف إليها مفارقات وتجليات أدبية ذكية، مما جعلها عملاً إبداعياً يعكس قدرته على تصوير الصراعات الإنسانية.

في مسيرته الأدبية والفكرية، شهد يوسا تحولات جذرية؛ فقد بدأ حياته متعاطفاً مع اليسار، لكنه تحول لاحقاً إلى مدافع عن التجارة الحرة والليبرالية السياسية، حتى أنه ترشح للرئاسة في بيرو عام 1990. هذه التحولات الفكرية تسببت في قطيعة مع بعض من رفاقه الأدبيين مثل غارثيا ماركيز.

في نهاية المطاف، رسخ يوسا اسمه كواحد من أبرز الكتاب في القرن العشرين، مستخدماً قلمه ليعبر عن صراعاته الداخلية ويقدم نظرة متفحصة على قضايا عصره. وكان يرى أن الأدب هو وسيلة للهروب من الواقع نحو عوالم أخرى، وأن الكتابة هي طريقة لمحاربة التعاسة، حيث يمكن للأدب أن يغني الحياة لكنه في الوقت ذاته يكشف لنا عن حيوات أغنى مما نعيشها.

في مقابلة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، أكد يوسا أن الأدب ليس مجرد وسيلة لتصوير الواقع، بل لتغييره وإضافة شيء جديد إليه. فهو يؤمن بأن الروايات العظيمة تظل خالدة عبر الزمن، وتؤكد على أهمية الحرية كعنصر أساسي في الثقافة والإبداع. ويشير يوسا إلى أن العملية الأكثر إبداعاً في الكتابة هي إعادة الكتابة والتصحيح، حيث يجد فيها متعة خاصة تفوق متعة الكتابة نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى