لماذا تقضي علاجات السرطان على أورام وتعجز عن أخرى؟
تُعَدّ العلاجات المناعية للسرطان من أبرز التطورات الطبية الحديثة، لكن على الرغم من نجاحها في بعض الحالات في القضاء تمامًا على السرطان أو تقليله بشكل كبير، فإنها قد تكون غير فعالة في أحيان أخرى. ولتفسير هذا التفاوت، اقترح العلماء عدة فرضيات، منها تأثير عدد الطفرات الجينية في الورم، أو البيئة المحيطة بالورم التي قد تدعم أو تثبط الاستجابة المناعية. ومع ذلك، لم يُثبت صحة أي من هذه الفرضيات بشكل قاطع.
أحدث الباحثون في مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان وكلية بايلور للطب في هيوستن، تفسيرات جديدة تتعلق بكيفية فعالية الخلايا المناعية في معالجة السرطان. تشرح الدكتورة أندريا شيتينغر، أخصائية مناعة الأورام في معهد سلون كيترينغ، أن “الخلايا المناعية تحتاج لتكون في توزع مكاني محدد لتحقيق فعالية في القضاء على خلايا الورم، حيث يجب أن تشكل ثلاثيًا”.
تشير الأبحاث إلى أن ثلاثة أنواع من الخلايا المناعية تحتاج للعمل معًا في نفس الوقت وفي نفس المكان: خلية شجيرية، وخلية تائية قاتلة، وخلية تائية مساعدة. حتى الآن، لم يُكتشف أن وجود هذه الخلايا الثلاثة معًا في الأورام كان ضروريًا لإحداث استجابة مناعية فعالة ضد السرطان.
تشير النتائج التي نُشرت في مجلة “كانسر سيل” بتاريخ 8 يوليو/تموز إلى أن هذا الاكتشاف قد يكون له تأثيرات علاجية فورية، وقد يغير طريقة تقديم العلاجات المناعية. تكمن المشكلة في عدم فعالية العلاج بالخلايا التائية بالتبني، حيث تُؤخذ خلايا تائية من المريض وتُعدل لتتعرف على السرطان، لكن النتائج تكون غير متوقعة في كثير من الأحيان. تتساءل الدكتورة شيتينغر: “لماذا تفشل الخلايا التائية القاتلة المعدلة في القضاء على السرطان رغم أنها مثالية من الناحية التقنية؟”
تشير شيتينغر إلى أن الخلايا التائية القاتلة لا تعمل بشكل فعال دون دعم الخلايا التائية المساعدة، التي تقوم بتفعيلها وتجهيزها للقتال. وعليه، يتساءل الباحثون عما إذا كانت الخلايا التائية القاتلة تحتاج إلى “رخصة للقتل” من خلايا تائية مساعدة لتنفيذ مهمتها بنجاح.
لاختبار هذه الفرضية، أجرى الفريق تجارب على فئران مصابة بالسرطان، حيث عولجت الفئران بخلايا تائية قاتلة فقط أو بخلايا تائية قاتلة مع خلايا تائية مساعدة. أظهرت النتائج أن الفئران التي تلقت النوعين من الخلايا شهدت تراجعًا في الأورام، مما يشير إلى أن التوزيع المكاني لهذه الثلاثيات من الخلايا هو المفتاح لتحقيق فعالية العلاج.
للتأكد من صحة هذه النتائج في البشر، تعاون فريق شيتينغر مع جراحيين من كلية بايلور للطب، حيث وجدوا أن المرضى الذين استجابوا لعلاج “حصار نقاط التفتيش المناعية” كانوا يحتويون على الثلاثيات المناعية في أورامهم، بينما أولئك الذين لم يستجيبوا لم يكونوا يمتلكونها.
تتمثل تداعيات هذا الاكتشاف في إمكانية استخدام هذه الثلاثيات كعلامة حيوية لتحديد المرضى الذين سيستجيبون للعلاج المناعي. كما يسلط الضوء على ضرورة إعادة التفكير في كيفية تقديم علاجات الخلايا التائية بالتبني، مع تضمين خلايا تائية مساعدة. وأخيرًا، قد يؤثر هذا الاكتشاف على تصميم لقاحات السرطان لتعزيز فعالية الخلايا التائية القاتلة.
فريق شيتينغر يعمل حاليًا على دفع هذه الدراسة قدمًا، من خلال تصميم أدوات لربط خلايا تائية قاتلة بمساعدة، وتجربة تركيبات جديدة من لقاحات السرطان، والتعاون مع قادة آخرين في المجال لإدخال هذه الأبحاث في تجارب بشرية. وتختتم شيتينغر قائلة: “الاستنتاج الرئيسي من نتائجنا هو أن التوزيع المكاني للخلايا أكثر أهمية من أعدادها”.