قطرة دم واحدة لفحص عدة أمراض وفي دقائق معدودة
تخيل سيناريو يتم فيه تقديم رؤى شاملة عن حالتك الصحية من خلال قطرة دم واحدة فقط وفي غضون دقائق. قد تصبح هذه الرؤية حقيقة واقعة بفضل الأبحاث الحديثة التي نشرتها منصة “يوريك أليرت”.
طور فريق من العلماء بقيادة ميهيلا زيغمان من جامعة لودفيغ ماكسيميليانز بميونخ ومعهد ماكس بلانك للبصريات الكمية، وبالتعاون مع مركز هيلمهولتز في ميونخ، أداة صحية تستخدم الأشعة تحت الحمراء والتعلم الآلي لاكتشاف مجموعة واسعة من الحالات الصحية من خلال فحص واحد لقطرة دم.
تقنية قديمة لأهداف جديدة
التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء، الذي يستخدم الأشعة تحت الحمراء لتحليل التركيب الجزيئي للمواد، كان أداة أساسية في الكيمياء لعقود. تعمل هذه التقنية على إعطاء الجزيئات بصمة يمكن التعرف عليها بواسطة جهاز متخصص يسمى المطياف. عند تطبيقها على السوائل الحيوية المعقدة مثل بلازما الدم، يمكن لهذه التقنية الكشف عن معلومات تفصيلية حول الإشارات الجزيئية، مما يجعلها أداة واعدة للتشخيص الطبي.
ورغم استخدامها الطويل في الكيمياء والصناعة، لم يتم دمج التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء في التشخيص الطبي حتى الآن. بدأ فريق العلماء معالجة هذه الفجوة بعد أن أنشأوا طريقة لقياس بلازما الدم البشرية، وتعاونوا مع فريق أنيت بيترز من مركز هيلمهولتز في ميونخ لتطوير بصمة جزيئية بالأشعة تحت الحمراء على مجموعة سكانية متنوعة طبيعياً. تم قياس عينات الدم من آلاف الأفراد في مشروع بحثي صحي شامل في أوغسبورغ، ألمانيا، حيث تم اختيار البالغين عشوائياً لتمثيل مجموعة سكانية متنوعة تُجري فحوصات طبية وتتبرع بالدم.
قيمة العمل الحالي
نشرت الدراسة الحالية نتائجها في مجلة “سيل ريبورتس ميدسين” في 28 يونيو/حزيران الماضي، واكتسبت قيمة جديدة بعد اختبارها من منظور جديد وخدمة غرض جديد، حيث تم قياس أكثر من 5000 عينة من بلازما الدم.
استخدم الفريق التعلم الآلي لتحليل البصمات الجزيئية وربطها بالبيانات الطبية، واكتشفوا أن هذه البصمات تحتوي على معلومات قيمة تمكن من الفحص الصحي السريع. تم تطوير خوارزمية متعددة المهام يمكنها التمييز بين حالات صحية مختلفة، بما في ذلك المستويات غير الطبيعية من الدهون في الدم، والتغيرات في ضغط الدم، والكشف عن النوع الثاني من السكري وحتى اكتشاف مرحلة ما قبل السكري، وهي مرحلة غالباً ما تكون غير مكتشفة. ومن المثير للاهتمام أن الخوارزمية يمكنها أيضاً تحديد الأفراد الأصحاء الذين بقوا أصحاء على مر السنين.
تطبيقات واسعة
تقليدياً، يحتاج الأطباء إلى اختبار جديد لكل مرض. ومع ذلك، فإن هذا النهج الجديد لا يحدد حالة واحدة في كل مرة فقط، بل يحدد بدقة مجموعة من المشاكل الصحية. يمكن لهذا النظام المدعوم بالتعلم الآلي أن يحدد الأفراد الأصحاء ويكشف عن حالات معقدة تشمل أمراضاً متعددة في نفس الوقت. علاوة على ذلك، يمكنه التنبؤ بتطور متلازمة التمثيل الغذائي قبل سنوات من ظهور الأعراض، مما يوفر نافذة للتدخلات.
ثورة في الرعاية الصحية
تضع هذه الدراسة الأساس لبصمة جزيئية بالأشعة تحت الحمراء لتصبح جزءاً روتينياً من الفحص الصحي، مما يمكّن الأطباء من اكتشاف وإدارة الحالات بشكل أكثر كفاءة. هذا مهم بشكل خاص للاضطرابات الأيضية مثل تشوهات الكولسترول والسكري، حيث يمكن أن تحسن التدخلات الفعالة في الوقت المناسب النتائج بشكل كبير. ومع استمرار الباحثين في تحسين النظام وتوسيع قدراته من خلال تطوير التكنولوجيا، يمكن أن يحدث الجمع بين التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء والتعلم الآلي ثورة في التشخيصات الصحية. باستخدام قطرة دم واحدة وضوء الأشعة تحت الحمراء، يمكننا الحصول على أداة جديدة قوية لمراقبة صحتنا، والكشف عن المشاكل بشكل أكثر كفاءة، وربما تحسين الرعاية الصحية على مستوى العالم.