فنون البلاغة العربية فلسفتها، ومتى يعد العرب النص فصيحا أو بليغا؟

يقوم أساس فلسفة البلاغة العربية على توافق الكلام مع السياق والمقام، وهذا يشكل أبسط تعريف شائع لها. ومع ذلك، فإن هذا التعريف البسيط لا يأخذ في اعتباره العمق الذي تمتاز به البلاغة العربية، حيث قام علماء البلاغة بتحليل النص من الحرف إلى الكلمة، ثم إلى الجملة والنصوص الأدبية، وضبطوا معايير تفصل بين الفصاحة والغيرة عنها، وكذلك بين الفصاحة والبلاغة.

منذ العصور القديمة، أدرك علماء البلاغة الفارق الواضح بين البلاغة العربية، التي يمثلها البلغاء العرب، وبين البلاغة على الطريقة الفارسية والفلسفية، التي تمثلها علماء مثل السكاكي والقزويني والتفتازاني. وكانوا من أهل الفلسفة والكلام والمنطق، وبفضل هذا الخلفية، استطاعوا إقامة أسس وقواعد لعلم البلاغة، وتحديد مساراتها ومجالاتها.

تتألف فنون البلاغة العربية من ثلاثة فروع رئيسية، هي علم البيان وعلم المعاني وعلم البديع، استند البلاغيون في هذا التقسيم إلى كتب السكاكي ومتابعيه مثل الخطيب القزويني. فعلم البيان يعنى بتوظيف الكلمة للإيضاح بأساليب مختلفة، فيما يهتم علم المعاني بتحليل تراكيب الجملة وتوظيفها بما يتناسب مع المقام والحال. أما علم البديع، فيعنى بتحسين الكلام وتزيينه، سواء بالألفاظ أو بالمعاني، ويعتبر وجهاً من وجوه تحسين الكلام.

تعرَّف السكاكي علم المعاني بأنه تتبع لخواص تراكيب الكلام لتعزيز الإفادة والاستحسان، وذلك لتجنب الخطأ في فهم المعاني وتطبيق الكلام بشكل صحيح. ويشمل هذا العلم الاهتمام بأحوال الجملة العربية وأجزائها مثل التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير.

أما الخطيب القزويني، فقد عرَّف علم البيان بأنه يُعرف به إيراد المعنى بأساليب مختلفة لتوضيحه بوضوح. ويشمل هذا العلم دراسة التشبيه والاستعارة والكناية وغيرها من أشكال التعبير البلاغي. أما علم البديع فيعنى بتحسين الكلام بعد الاهتمام بتطبيقه على المقام والفصاحة، ويتضمن تحسين الألفاظ والمعاني، مثل استخدام التشبيه والمجاز والطباق وغيرها من الأساليب الجمالية.

ما ركائز فلسفة فنون البلاغة العربية؟

فلسفة علم المعاني ترتكز على توافق الكلام مع سياق الموقف، حيث يُعتبر إصابة المقدار وفقاً للجاحظ، بمراعاة سلطة المتحدث ومكانته الاجتماعية والسياسية، وأيضاً مكانة المخاطب ومستواه الفكري والشخصية التي تسبقه، كما هو مبين في الآية القرآنية التي تعاتب فيها الله رسوله في سورة التوبة (الآية 43). ففي تفسير القرطبي، يُعرَض الأمر كتأويل لفظي حيث يُقدم الله على العفو قبل الذنب لتهدئة القلب وتجنب الحزن، أو كتأويل معنوي حيث يُفسر “عفا الله عنك” بأن الله لم يأذن للمؤمنين في القتال في ذلك الوقت. وتظهر هنا فلسفة المعاني في تفسير النصوص الدينية والأدبية.

أما علم البيان، كما ورد في تعريف السكاكي، فهو دراسة توظيف اللغة للتعبير عن المعنى بطرق متنوعة لتحقيق الوضوح والدقة، مما يعني استخدام أساليب مختلفة لتبيان المعنى بشكل واضح. وهنا تكمن فلسفة علم البيان في إيصال المعنى بوضوح وجلاء، بمساعدة الوسائل البيانية مثل الاستعارة والكناية والتشبيه.

فلسفة علم البديع تقوم على فهم المتحدث للمحسنات اللفظية والمعنوية، حيث يُمكن استخدام التجانيس والجناس والكناية والاستعارة لتحسين وتجميل الكلام. وهنا تتمثل الفلسفة في إبراز الجمال والرونق اللغوي في النصوص، وفي إيصال المعاني بشكل مثالي وجذاب.

بينما يُعنى علم النحو بدراسة القواعد اللغوية وصحة الجملة وأجزائها، ويحكم بالوجوب أو الجواز أو الامتناع. أما علم البلاغة فينظر إلى جماليات اللغة ورونقها ويسعى إلى استخدام الوسائل البيانية بشكل مبدع لإيصال المعاني بأجمل صورها وأعذب عباراتها.