فخ غزة: مقال بفورين أفيرز يحذر إسرائيل من نصيحة ديفيد بترايوس
قد أشارت مجلة “فورين أفيرز” إلى خطوة الجيش الإسرائيلي لسحب ألوية كبيرة من غزة كإشارة للدخول في مرحلة جديدة من الصراع، وهي مرحلة تُعرف باسم “حملة لمكافحة التمرد”. وفي مقال للكاتب كولن بي كلارك، تم توضيح كيف يتمثل هذا النهج في الاعتماد على القوات الخاصة، والضربات الجوية المستهدفة، والهجمات الدقيقة للسيطرة على الأراضي بعد تطهيرها من مقاتلي حماس.
وعلى الرغم من الفعل السهل للتحدث عن هذا النهج، إلا أن البحوث السابقة تشير إلى أن تبني مثل هذا النهج في غزة قد يؤدي إلى تحول الصراع إلى مستنقع طويل الأمد. فقد يتكيف حماس مع هذا الوضع الجديد من خلال استغلال شبكتها السرية من الأنفاق واستخدام البنية التحتية المدمرة لصالحها، مما يتيح لها فرصًا لاستهداف الجنود الإسرائيليين بشكل متكرر.
وفي نظر الكاتب، تطبيق رؤية مكافحة التمرد في غزة سيكون له تأثير كارثي على الجيش الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى تهميش الأصوات الفلسطينية المعتدلة، وزيادة التطرف بين المدنيين، وتحفيز حماس على شن هجمات أكثر عنفًا ضد إسرائيل. بالمجمل، يمكن أن تؤدي حملة مكافحة التمرد في غزة إلى تصعيد العنف وزيادة التوتر دون حلول نهائية.
أهداف سياسية
تظل نهاية المواجهة الإسرائيلية في غزة محيرة، حيث يفتح انتشار الاحتلال واستراتيجية مكافحة التمرد بابًا لفصل جديد في الصراع، وهو ما يؤكده تصريحات قادة إسرائيليين. أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أن الحرب ضد حماس لن تتوقف حتى تحقق إسرائيل أهدافها.
وأكد وزير الدفاع يوآف غالانت أن الحملة العسكرية ستستمر “طالما دعت الضرورة”، بينما أشار رئيس الأركان هرتسي هاليفي إلى استمرار الصراع في غزة “لعدة أشهر”، ولكن يمكن أن تتحول هذه الفترة بسهولة إلى سنوات في حال تبني إسرائيل استراتيجية مكافحة التمرد.
وفي نظر الكاتب، حتى بدون قرار متعمد بتبني هذه الاستراتيجية، قد تجد إسرائيل نفسها في مأزق مشابه لتجارب الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان، حيث تم توسيع أهداف المهمة بعيدًا عن الأهداف الأصلية لتصبح أكثر غموضًا وطموحًا.
ومن ثم، يمكن أن ينتهي الموقف الذي تواجهه إسرائيل في غزة اليوم بطريقة مشابهة لتجربتها في جنوب لبنان، حيث انسحبت بعد عقدين من الزمن دون إزالة التهديدات، بل وتعرضت لتهديد جديد من حزب الله.
ولكن يبدي نتنياهو رغبة شخصية في استمرار الصراع بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي رغبة الإسرائيليين في تغيير القيادة السياسية، ولذا أعلن أن متطلبات السلام تتطلب “تدمير حماس ونزع سلاح غزة ومحاربة التطرف الفلسطيني”. ومع ذلك، فإن تحقيق أي من هذه الأهداف قد يتطلب سنوات من القتال، وليس من الواضح مدى نجاحها في النهاية.
وبعد مرور أربعة أشهر على الصراع، يشعر بعض قادة الجيش الإسرائيلي بالإحباط بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة لإنهاء الصراع، مما يؤكد على ضرورة وجود خطة محددة لتحقيق الأهداف المنشودة.
هزيمة إستراتيجية
في حال اعتماد الجيش الإسرائيلي استراتيجية مكافحة التمرد في غزة، سيتعارض ذلك مباشرة مع التوجيهات السياسية التي أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث حذرت من احتلال غزة بعد الحرب ودعت إلى تقليص الحملة العسكرية بسبب الخسائر البشرية الفادحة التي مني بها الفلسطينيون، بما في ذلك مقتل النساء والأطفال. وأشار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى أن المدنيين يشكلون مركز الثقل في هذا الصراع، وأن إجبارهم على الانخراط في الصراع يعرض النصر التكتيكي للهزيمة الاستراتيجية.
وقد أشار الكاتب إلى أن إسرائيل لا تمتلك استراتيجية سياسية واضحة لما بعد الحرب، خاصة أن نتنياهو يعارض فكرة استعادة السلطة الفلسطينية للسيطرة على غزة، وهو موقف متعارض مع موقف إدارة بايدن.
ومن المتوقع أن تواجه إسرائيل مقاومة مستمرة من حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية في غزة، حيث ستكون الهجمات الكر والفر والكمائن والقناصة من بين التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي في هذا السيناريو المحتمل.
يظهر أن إسرائيل لا تسعى لكسب “القلوب والعقول” في غزة، ويبدو أن المسؤولين، وخاصة نتنياهو وحلفاءه اليمينيين المتطرفين، يتجاهلون الجوانب السياسية للصراع، مما يتيح لحماس فرصة لتعزيز وترسيخ نفسها في غزة.
وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل ينبغي أن تستفيد من الدروس التي تعلمتها من تجاربها السابقة في لبنان واحتلالها السابق لغزة، ولكن العناصر اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، تدفعها إلى التفكير في احتلال غزة دون وجود استراتيجية سياسية ملائمة.