فايننشال تايمز: ما الذي سيبقى من غزة بعد انتهاء الحرب؟
فايننشال تايمز” تسلط الضوء على معاناة غزة بعد 3 أشهر من العدوان الإسرائيلي، حيث تجاوزت الحرب هذه الفترة، واستمر القصف الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 22,185 فلسطينيًا وإصابة 57,035 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
تقدم الصحيفة البريطانية نظرة على الظروف التي مر بها أهالي غزة، من خلال شهادة رجل الأعمال الفلسطيني فيصل الشوّا، الذي يروي تجربته من مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو، والأمل في حل دائم للنزاع الطويل مع الاحتلال الإسرائيلي، وصولًا إلى فترة حكم حماس في القطاع والحصار المستمر الذي يمتد لنحو 17 عامًا، وصولًا إلى الحرب الحالية التي أثرت بشكل كبير على الاستثمارات في المصانع والمزارع والبنية التحتية وقطاع الزراعة.
معاناة شاملة
بحسب فيصل الشوّا، يتعرض جميع سكان غزة، سواءً كانوا أغنياءً أو فقراءً، صغارًا أو كبارًا، للهجمات الجوية والبرية والبحرية من قبل إسرائيل، ويعيشون في ظروف صعبة بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر من القصف. حيث أدى العدوان إلى استشهاد أكثر من 22,185 فلسطينيًا وإصابة 57,035 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
ويتناول تقرير “فايننشال تايمز” قصة الغزيين، من مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو والآمال في حل دائم للنزاع مع الاحتلال، إلى فترة حكم حماس والحصار الذي استمر لنحو 17 عامًا، وصولًا إلى الحرب الحالية التي أثرت بشكل كبير على البنية التحتية والمصانع والزراعة. وفي هذا السياق، يعبر الشوّا عن قلق السكان من عدم تبقي شيء للعيش عند انتهاء الحرب، مع اعتقاد بأن إسرائيل تسعى لجعل القطاع غير صالح للسكن، مما يضطر السكان إلى التخلي عن وطنهم.
وتسلط الضوء على اقتراح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بإبقاء بين 100,000 و200,000 فلسطيني في غزة، مع دعوته لتهجير البقية، ورغم أن هذه التصريحات لا تعكس السياسة الرسمية، يرى العديد من سكان غزة أن إسرائيل تسعى لدفعهم جنوبًا نحو مصر. بينما فشلت محاولات الحكومة الإسرائيلية في إقناع القاهرة بقبول اللاجئين من غزة، يظل الخوف قائمًا بين الفلسطينيين من تكرار نكبة عام 1948، عندما تم تهجير مئات الآلاف منهم بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
ينحدر نحو 1.7 مليون شخص في قطاع غزة من العائلات التي هُجّرت من منازلها قبل 75 عامًا، وقد صُنّفوا من قبل الأمم المتحدة كلاجئين. وقد نقلت فايننشال تايمز تصريحات الباحث في غزة من مجموعة الأزمات الدولية، عزمي كيشاوي، الذي أعرب عن استفسارات السكان حيال مصيرهم، متسائلين إذا كانوا سيعودون أم سيُجبرون على الانتقال إلى سيناء.
أثر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة كان وخيمًا، حيث أجبر أكثر من 85% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على ترك منازلهم. تم ضغطهم في مناطق ضيقة في الجنوب، مضطرين للجوء إلى المباني السكنية المزدحمة والمدارس والمستشفيات والمنشآت التي تديرها الأمم المتحدة والخيام. وأكدت الأمم المتحدة أن ربع السكان تعرضوا للجوع، حيث يقف الناس لساعات طويلة من أجل الحصول على الخبز أو استخدام المراحيض، ويعيش الكثيرون في عدم يقين بشأن مصير منازلهم.
تدمير الجامعة
في سياق مختلف وعلى صعيد أصغر من السن، أدلى محمود رستم، طالب تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلامية بغزة، بتصريح لفايننشال تايمز يفيد بأن الجيش الإسرائيلي دمر جامعته. وكان يأمل رستم في إكمال دراسته هناك، ولكن زُعم أن حركة حماس استخدمت الجامعة كـ “معسكر تدريب لعملاء المخابرات العسكرية، وكذلك لتطوير وإنتاج الأسلحة”.
وفقًا لتقرير فايننشال تايمز، يتعين على سكان غزة جمع شتات حياتهم وسط الأنقاض، حيث انهارت آمالهم لحظة بعد اتفاقيات أوسلو مع تفاقم الأوضاع بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000. تعرضت البنية التحتية للقطاع لأضرار ودمار، ومنع السكان من العمل في إسرائيل والمستوطنات، وتم فرض قيود صارمة على حركة البضائع إلى القطاع، وتلاشت الآمال في إقامة دولة فلسطينية.
رغم انسحاب إسرائيل من غزة تمامًا في عام 2005، إلا أنها استمرت في السيطرة على المجال الجوي والحدود باستثناء منطقة صغيرة على حدود مصر، وهي منطقة يسيطر عليها حركة حماس. انخفضت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة بنسبة 27% بين 2006 و2022، ووصلت إلى 1257 دولارًا، وفقًا لأونكتاد. مع اندلاع الحرب الأخيرة، اعتمد أكثر من ثلثي سكان القطاع على المساعدات الدولية، وواجهوا نسبة بطالة تجاوزت 44%.
تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 60% من وحدات السكن في القطاع تضررت أو دمرت، بالإضافة إلى المدارس والمساجد والطرق والمخابز والمحلات التجارية وآلاف الأعمال الأخرى. وتعجز أكثر من نصف المستشفيات في غزة عن العمل.
النظام الصحي
فيما يتعلق بالنظام الصحي في قطاع غزة، أفاد الجراح البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي عمل في المنطقة، بأنه تم تفكيك النظام الصحي بشكل منهجي. وأضاف أن المستشفيات تم تدميرها بشكل تدريجي، وسأل عما إذا كانت إسرائيل ستسمح بدخول مواد إعادة الإعمار إلى غزة، مشيرًا إلى أن هذا يتجاوز قضية الفلسطينيين ويحتاج إلى تدخل دولي.
ونقلت صحيفة Financial Times عن رئيس وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة للفلسطينيين، فيليب لازاريني، وصفه لما حدث في غزة بأنه “حرب تفوق كل المقاييس”، مشددًا على أن مستوى الدمار كان صاعقًا.
أما فيما يتعلق بالخدمات الحكومية، باستثناء القطاع الصحي وفرق الطوارئ، فإنها وفقًا لتقرير الصحيفة أصبحت غير ملموسة بسبب تهجير الموظفين العاملين فيها الذين يخشون من التعرض للاستهداف.
وتتوقع Financial Times أن تصل تكلفة إعادة البناء في غزة إلى مليارات الدولارات، حيث تسببت الحرب السابقة في عام 2014 في أضرار تقدر بين 3 و6 مليارات دولار، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
أما الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، فقد قارن دمار غزة بالنسخة الثانية من المدن الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن غزة اليوم بحاجة إلى بناء كل شيء من جديد، ويرى أنها قد تحتاج إلى خطة مارشال خاصة بها، لكنه يشير إلى أن الممولين المحتملين يحتاجون إلى رؤية مستقبلية واعدة في سياق حل الدولتين.
في سياق آخر، أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ارتفاعًا في تأييد حركة حماس في الضفة الغربية وزيادة طفيفة في غزة مقارنة بثلاثة أشهر سابقة. تتمتع حماس بدعم أعلى بكثير من حركة فتح في كل من المناطق وفقًا لهذا الاستطلاع.