اقتصاد

عودة السوريين من تركيا: تأثيرات اقتصادية واجتماعية وتحولات في المشهد الإقليمي

إسطنبول – رؤية جديدة لمستقبل سوريا وآثارها على تركيا

مع دخول سوريا مرحلة جديدة عقب سقوط نظام بشار الأسد وتولي الحكومة السورية المؤقتة مسؤولياتها، بدأت معالم الاستقرار تلوح في الأفق، مما أعاد الأمل لملايين اللاجئين السوريين في تركيا بالعودة إلى وطنهم الذي أجبروا على مغادرته.

خطوات تسهيل العودة
في تطور لافت، بادرت الحكومة التركية إلى تسهيل عودة السوريين الراغبين بالرجوع الطوعي، حيث فتحت المعابر الحدودية ووفرت تسهيلات إضافية لإجراءات الانتقال. هذا التحرك أعاد ملف اللاجئين إلى مقدمة النقاش السياسي والاقتصادي في تركيا، مثيرًا تساؤلات حول أثر هذه العودة على الاقتصاد التركي، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على العمالة والاستثمارات السورية.

حقائق وأرقام
كشف وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا أن القدرة الاستيعابية اليومية للمعابر الحدودية مع سوريا ارتفعت من 3 آلاف إلى ما بين 15 و20 ألف شخص يوميًا لتلبية الطلب المتزايد. وأضاف أن حوالي 11 ألف سوري يعودون شهريًا من تركيا، ليصل إجمالي العائدين طوعًا منذ عام 2016 إلى نحو 737 ألف شخص.

ووفق إحصائيات إدارة الهجرة التركية، بلغ عدد السوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا نحو 2.9 مليون شخص. ويعمل العديد منهم في قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة والإنشاءات، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد العمال غير المسجلين يصل إلى 500 ألف، في حين يبلغ عدد العمال المسجلين رسميًا نحو 100 ألف.

من جانب آخر، سجلت الاستثمارات السورية في تركيا نموًا ملحوظًا، مع تأسيس أكثر من 10 آلاف شركة منذ عام 2010 برأس مال يقارب 632 مليون دولار. وتركزت هذه الاستثمارات في مشاريع صغيرة ومتوسطة مثل المطاعم والمحلات التجارية، بينما تشير تقديرات أشمل إلى أن إجمالي الاستثمارات السورية تجاوز 10 مليارات دولار.

فرص اقتصادية وإعادة الإعمار
مع تحسن الأوضاع في سوريا، تشهد أسهم شركات البناء التركية ارتفاعًا في ظل توقعات بدورها الرئيسي في إعادة الإعمار. وقدرت دراسة للبنك الدولي حجم الأضرار في سوريا منذ عام 2011 بنحو 11.4 مليار دولار، ما يفتح فرصًا اقتصادية هائلة أمام الشركات التركية.

في السياق ذاته، توقع خبراء أن تؤدي عودة السوريين إلى تخفيف الضغط على الإيجارات وخفض أسعار العقارات تدريجيًا. كما أشاروا إلى أن بيع السوريين لممتلكاتهم في تركيا قد يُسهم في تقليص الفجوة في سوق العقارات.

تحديات وفرص مستقبلية
يرى الباحث الاقتصادي عثمان إيبيك أن مشاريع إعادة الإعمار في سوريا المدعومة دوليًا قد تكون حافزًا رئيسيًا لعودة السوريين، مما سيترك أثرًا عميقًا على الاقتصاد التركي. ومن المتوقع أن تواجه تركيا تحديات في تعويض نقص العمالة الرخيصة، ما قد يدفع الشركات إلى رفع الأجور أو استقدام عمالة أجنبية.

ومع ذلك، قد تُسهم عودة السوريين في خفض البطالة بين الأتراك وتخفيف الأعباء على الموازنة العامة. أما الاستثمارات السورية، فمن المرجح أن تنقسم بين البقاء في تركيا والانتقال إلى سوريا استجابة للفرص الجديدة.

تغيير المشهد الاقتصادي والاجتماعي
في المجمل، تحمل هذه التطورات تأثيرات بعيدة المدى على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين تركيا وسوريا، مما يتطلب تنسيقًا مستمرًا بين الأطراف المعنية لضمان تحقيق مكاسب مشتركة واستدامة الاستقرار في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى