خيال صحرا: رقصة على ألغام الواقع والخيال في مسرح جورج خباز
يكتب المؤلفون عن الفاجعة، ولا يمكن التنبؤ أو التأكد مما إذا كانوا يكتبونها هروبًا من الألم أم بإصرار على استنزاف جرح الكتابة العميق.
نحن، كمتلقين، متورطون في الألم، فالكاتب يسرد قضايا عصره، ونحن نحاول الهروب من الألم كما يفعل الكثيرون، وربما نلعب دور الضحية في لعبة الازدواجية التي تتحكم في مسار الحياة على هذه الأرض.
الكاتب، الذي تهيمن عليه فكرة تتكرر في معظم أعماله الفنية، لا يسعى بالضرورة إلى خلاص نهائي، بل يحاول نوعًا من التطهير، وإعادة تشكيل صورة الفاجعة أو محفز الكتابة، وربما إعادة تشكيل صورته الذاتية أو صورة مجتمعه. يسعى لجعل القضية التي يعالجها مفهومة بلغة العامة، مساهما بذلك في إيجاد حلول من خلال الفكر الذي تخاطبه الكتابة.
في أعمال الفنان جورج خباز، يمكننا التقاط القضايا التي تشغله. في مسرحيته الأخيرة “خيال صحرا”، يستخدم خباز العنوان كلغز يحمل دلالات غامضة، تعكس قلق الواقع وضبابيته، مما يتيح للمشاهد تفسيرها في اتجاهين: الأول ذاتي يعبر عن الصحراء كرمز للروح العطشى والواقع القاسي، والثاني كرمز للأمة العربية.
في سياق هذا العمل، يحاول خباز استكشاف تناقضات الحرب اللبنانية، مسلطًا الضوء على الأسباب النفسية والاجتماعية والدينية التي دفعت الأفراد إلى خوضها، ومبينًا أن كلا الطرفين، رغم اختلافاتهما، يتشابهان في الضعف والطموح والأحلام.
عندما يبدأ الحلم، يختفي الأبطال في رقصة مشتركة، تتجاوز الحدود وتعيد الأمل. في هذه اللحظة، يلغي الزمن، ويصبح خباز وشخصياته في حوار مع الماضي، مع تأملات في الخسائر التي تكبدها اللبنانيون، وحاجتهم إلى البحث عن مكان يتجذرون فيه وينطلقون منه.
تتزامن عروض “خيال صحرا” مع ذكرى كارثة مرفأ بيروت، مما يشير إلى استمرار الفاجعة، وإلى الانقسامات والفوضى والتوتر الذي يعيشه اللبنانيون في وقت يشهد العالم تحولات كبرى. العمل يدعو للتفكير في الازدواجية بين الموت والحياة، بين الخيال والواقع، وبين الوطن والذات المتألمة.
بهذا الطرح، يفتح خباز باب التساؤل، ويدعونا إلى الرقص معه على ألغام حروبنا الصغيرة والكبيرة، بنفس الخفة التي يحتاجها المرء لتجاوز الوهم.