جيبوتي بين دعم غزة وتضرر موانئها بباب المندب ما خطتها؟
في ركن مخصص للمأكولات البحرية في العاصمة جيبوتي، جذبت مجموعة من البحارة اليابانيين انتباه الحضور، حيث جلسوا بجوار قائمين على هواتفهم المحمولة. في وسط المطعم، كانت امرأتان فرنسيتان يتناولان وجبة خفيفة، في حين امتلأت الطاولات الأخرى بزوار من جنسيات متنوعة، يتبع الغالبية منهم قواعد عسكرية في المدينة الصغيرة.
وفي هذا السياق المتنوع، كان أحمد عبدي، الذي يعمل كنادل في المطعم، يتنقل بين الطاولات لتلبية طلبات الزبائن بلغات متعددة. لفت الانتباه إليه تحديدًا الكوفية الفلسطينية الكبيرة التي كانت تعلو كتفه. عندما سُئل عن سبب ارتدائها، اعتذر عن الحديث، ولكنه أشار بإصبعيه إلى رمز النصر الذي يرتبط بفلسطين.
تجسد أحمد مشاعر التضامن والدعم للفلسطينيين، وليس هو الوحيد في جيبوتي الذين أعربوا بمختلف الوسائل عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية. على مستوى الدولة، سجلت جيبوتي مواقف رسمية متعددة داعمة لفلسطين، ما جعلها تحظى بالاعتراف كواحدة من أقوى الدول الداعمة في إطار القارة الأفريقية.
إغاثة حق
صرح وزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، بأن بلاده لم تدين هجمات الحوثيين، معتبرة إياها “إغاثة حق” للفلسطينيين. أكد تحفظ بلاده على المشاركة في عملية “حارس الازدهار”. وكشف رئيس الوزراء عبد القادر كامل رفض بلاده لطلب أميركي بنصب منصة صواريخ لاستهداف الحوثيين في اليمن. كما أعلنت جيبوتي دعمها للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
مع ذلك، عبرت جيبوتي متكررًا عن قلقها من تأثير التوتر في البحر الأحمر على موانئها، التي تُعتبر المحرك الأكبر لاقتصاد البلاد. أشارت جيبوتي إلى مخاوفها من تأثيرات سلبية قد تطرأ نتيجة للتوتر في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن جيبوتي استثمرت بشكل كبير في تطوير بنية موانئها على مدى السنوات الثلاث الماضية، وتعتبر موانئها اليوم من أكثر الموانئ تطورًا في إفريقيا، مما ساهم في دعم اقتصاد البلاد وتحسين الربط مع دول المنطقة، خاصة إثيوبيا.
قلق ومخاوف
في مكتب يطل على ميناء جيبوتي القديم، كان رئيس هيئة الموانئ والمناطق الحرة، أبو بكر عمر هادي، مشغولًا بالحديث مع أحد ممثلي شركات الشحن الأجنبية. ثم انتقل إلى مكتبه الجديد الذي يطل على واجهات بحرية مزدحمة بالفنادق والمرافق السياحية ومقرات الشركات والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى القواعد العسكرية.
وأعرب هادي، في حديثه للجزيرة نت، عن قلقه من تأثيرات التوتر في البحر الأحمر على نشاط موانئ جيبوتي على المدى البعيد، خاصة في مجال الشحن العابر وإعادة الشحن. وأكد على أهمية إقناع شركات الشحن الكبرى بأن عبورها من مضيق باب المندب سيكون آمنًا.
موانئ جيبوتي، التي تُعد حلقة وصل حيوية في سلسلة اللوجستيات للملاحة البحرية، استفادت من موقعها الاستراتيجي على مرمى حجر من مضيق باب المندب، لتعزيز حضورها كموانئ وسيطة لإعادة الشحن بين أفريقيا وبقية العالم.
هادي أشار إلى أن موانئ جيبوتي اتخذت إجراءات جديدة في ظل التوتر الحالي، مثل ضمان الرسو المباشر للشحن العابر وتسهيل تفريغ السفن بالحد الأدنى.
منطقة نشطة
مع بداية كل أسبوع، تشهد المنطقة التجارية الحرة في جيبوتي نشاطًا مكثفًا حيث يتوافد ممثلون عن شركات التخليص الجمركي المحلية والأجنبية. يستغل الجميع اعتدال الطقس قبل دخول شهر مايو حيث ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 100 درجة.
يُظهر أحمد، وهو أحد هؤلاء الممثلين، قلقه إزاء تأثير إيقاف رحلات السفن من الصين وأوروبا عبر البحر الأحمر، حيث أبلغت شركات الشحن “ميرسك” و”إم إس سي” عن تعليق رحلاتهما. يشير إلى مخاوفه من تأثيرات هذا القرار على سلاسل التوريد وارتفاع التكاليف.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، يظهر أحمد تفاؤله بزوال الأزمة قريبًا، خاصة أن طرق الملاحة من آسيا (الصين والهند) لا تزال آمنة ومفتوحة للتجارة. ويشير إلى أن جيبوتي اتخذت في الماضي إجراءات للتصدي لأزمة كوفيد-19 وضمان استمرارية التدفق السلس للبضائع.
جيبوتي، التي تعتمد اقتصادها بشكل كبير على الموانئ، تسعى إلى تنويع اقتصادها وتعزيز التنمية المتكاملة. تسعى أيضًا لتحقيق استدامة بيئية من خلال مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك مزرعة رياح بقدرة 60 ميغاوات ومشروعات طاقة شمسية، بهدف تحقيق رؤية 2035.