توقعات راي كورزويل: الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية
في عام 2005، نشر راي كورزويل كتابه الشهير “التفرد” (The Singularity)، الذي استعرض فيه بشكل موسع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأثرها العميق على مستقبل البشرية. تناول الكتاب تصورًا لعالم يهيمن فيه الذكاء الاصطناعي على جميع جوانب الحياة البشرية، وهو ما تحقق جزئيًا بعد مرور 20 عامًا من نشره. لم يكن ذلك نتيجة لقدرة كورزويل على التنبؤ بالمستقبل بقدرات خارقة، بل بسبب تجربته الواسعة في مجالي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
لم تتوقف رؤى كورزويل عند كتابه الأول، بل امتدت في مؤلفه الثاني “التفرد أصبح أقرب” (Singularity is Near)، حيث تنبأ بتطورات جديدة في الذكاء الاصطناعي خلال العقدين التاليين. لكن من هو راي كورزويل؟ يشكل كورزويل أحد أبرز خبراء الذكاء الاصطناعي بفضل خبرته التي تمتد لأكثر من 60 عامًا في هذا المجال. ولقد مكنته هذه الخبرة من تأكيد مكانته كأحد أبرز المفكرين المؤثرين في العالم التقني. وفي بداية عام 2024، تم تصنيفه ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في الذكاء الاصطناعي من قبل صحيفة “تايمز”، مما يبرز تأثيره العميق على هذا المجال.
تتعدد إنجازات كورزويل، إذ ساهم في ابتكار تقنيات كانت حجر الزاوية في تطور الذكاء الاصطناعي، مثل اختراعه جهازًا لتحويل النصوص المطبوعة إلى كلام مسموع في السبعينات، وبرمجته للنماذج الأولية للتعرف على الصوت في الثمانينيات. ورغم تركيزه على الكتابة ونشر أفكاره حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، فإن تأثيره امتد إلى تطوير ابتكارات تكنولوجية كانت تمهد لظهور الذكاء الاصطناعي المتقدم.
تنبؤات كورزويل حول الذكاء الاصطناعي لم تقتصر على الماضي، فقد توقع في وقت مبكر أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على أفضل اللاعبين البشر، كما تنبأ بظهور الهواتف المحمولة التي تتصل بشبكة الإنترنت قبل أن تتحقق هذه التطورات.
من أبرز توقعات كورزويل هي تطوير الذكاء الاصطناعي الشامل بحلول عام 2029، وهو نموذج يجمع جميع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية، من النصوص إلى الصور والفيديوهات، ويهدف إلى تقديم تجربة شبيهة بتلك التي يقدمها البشر، بل ويتفوق عليها في بعض النقاط. إلا أن الوصول إلى هذا النموذج يتطلب قدرة حاسوبية هائلة، وهو ما يمثل تحديًا حاليًا أمام الشركات العاملة في هذا المجال.
كورزويل أيضًا يتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًا في محاربة الشيخوخة من خلال تطوير أدوية وعلاجات جديدة، ما قد يمهد لزيادة العمر الافتراضي للبشر. ورغم وجود آراء معارضة حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، إلا أن كورزويل يرى أنه سيكون المفتاح الرئيس لتحقيق تطورات صحية كبيرة في المستقبل.
أما فيما يتعلق بمستقبل البشر مع الآلات، فيتوقع كورزويل أن يتمكن البشر من الاندماج مع الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2045، ليصبح العقل البشري جزءًا من الذكاء الاصطناعي أو العكس. وعلى الرغم من أن هذا التصور يبدو بعيدًا عن الواقع في الوقت الحالي، فإن تجارب مثل “نيورالينك” لإيلون ماسك قد تفتح الطريق لتحقيق هذا التكامل في المستقبل القريب.
تظل تنبؤات كورزويل ذات طابع مستقبلي، لكنها لم تعد مجرد أفكار بعيدة، بل أصبحت تحقق بعضًا من ملامح الواقع الذي نعيشه اليوم، مما يثير التساؤلات حول مدى اقترابنا من هذا المستقبل التكنولوجي الذي بشر به منذ سنوات.