تصعيد جديد في الحرب التجارية بين الصين وأمريكا: هل تستخدم بكين سلاح العملة؟

في خطوة أثارت قلق الأسواق المالية، خفّض بنك الشعب الصيني في الرابع من أبريل/نيسان الجاري سعر صرف اليوان المرجعي إلى أدنى مستوى له منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما أثار تكهنات بشأن احتمال تغيير بكين لاستراتيجيتها النقدية واللجوء إلى خفض حاد في قيمة العملة، في مواجهة تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وفي تصعيد لافت، أعلنت الصين الأربعاء عن رفع الرسوم الجمركية الانتقامية على السلع الأمريكية من 34% إلى 84%، في وقت دخلت فيه الرسوم الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيّز التنفيذ، حيث بلغت 104% على الواردات الصينية، قبل أن يأمر ترامب برفعها إلى 125% فورًا.
وأكدت وزارة التجارة الصينية أن الرسوم الإضافية الجديدة ستُطبق بدءًا من الخميس، محذّرة من أن الصين سترد “بحزم” على أي خطوات تصعيدية من واشنطن.
انخفاض اليوان: تحوّل محتمل في السياسة النقدية؟
حدّد بنك الشعب الصيني سعر صرف اليوان عند 7.1889 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ 17 يناير/كانون الثاني، في حين تراجع سعره في السوق المحلية إلى 7.3518 للدولار، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2007، مسجلاً انخفاضًا بنسبة 1.2% خلال الشهر الجاري.
ويرى مراقبون أن لجوء الصين إلى خفض قيمة اليوان قد يكون الرد الأشد تأثيرًا على سياسات ترامب التجارية. وقدّر بنك “ويلز فارغو” الأمريكي أن بكين قد تُقدم على خفض متعمد بنسبة تصل إلى 15% خلال شهرين، فيما توقعت مجموعة “جيفريز” المالية خفضًا أكثر حدة يصل إلى 30%، إذا قررت الصين استخدام العملة كسلاح مباشر في الصراع.
ذاكرة السوق: تجربة 2015 لا تُنسى
في 11 أغسطس/آب 2015، خفّضت الصين بشكل مفاجئ قيمة اليوان بنسبة 3%، مما أحدث صدمة عالمية، إذ شهدت الأسواق المالية اضطرابات حادة، وتراجعت أسعار النفط والسلع الأساسية، وتكبدت الاقتصادات الناشئة خسائر كبيرة، كما اتهمت واشنطن بكين حينها بالتلاعب بالعملة، وصنفتها رسميًا كـ”متلاعب بالعملة” عام 2019.
اليوم، مع توقعات بخفض أوسع قد يصل إلى 30%، يبدو أن التأثيرات ستكون أشد وأوسع نطاقًا.
سلاح العملة: أداة بكين الأقوى
بحسب محللين في “غولدمان ساكس”، فإن الصين تحاول تفادي خفض حاد في سعر عملتها، لكن التراكم الكلي للرسوم الجمركية الأمريكية قد يُكبّدها خسائر تقدر بخفض معدل النمو السنوي بنسبة 1.7%، وهو ما يشكل ضغطًا اقتصاديًا هائلًا على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويرى روبين بروكس، الزميل في معهد بروكينغز، أن خفض اليوان سيكون “السلاح الأقوى” في ترسانة الصين، محذرًا من أن مثل هذه الخطوة قد تُطلق دوامة من الانخفاضات في الأسواق الناشئة وتؤدي في النهاية إلى أزمة عالمية، وربما تؤثر حتى على استقرار الاقتصاد الأمريكي.
تأثيرات خفض اليوان على الاقتصاد العالمي
خفض العملة الصينية سيؤدي إلى انخفاض أسعار السلع الصينية، ما يجعلها أكثر تنافسية عالميًا. لكن هذه المنافسة قد تضر بصادرات العديد من الدول النامية مثل فيتنام، بنغلاديش، وإندونيسيا، التي تعتمد على صادرات المنسوجات والأحذية.
وقد تضطر دول أخرى إلى خفض عملاتها للحفاظ على قدرتها التنافسية، مما ينذر باندلاع حرب عملات عالمية، ستكون لها تداعيات كارثية على التجارة العالمية وأسواق المال، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
هل نحن على أعتاب أزمة اقتصادية جديدة؟
رغم تأكيد الصين في مراحل سابقة أنها لا تعتزم استخدام سلاح العملة وتفضّل الحفاظ على استقرار اليوان، إلا أن التصعيد الأخير يعيد هذا الخيار إلى الواجهة.
وفي حال فشل الحوار مع واشنطن، قد تجد بكين نفسها مضطرة للجوء إلى أدواتها النقدية لتخفيف الصدمة الاقتصادية.
ومع تصاعد سياسات الحماية التجارية وتوتر العلاقات الدولية، تبدو احتمالات اندلاع حرب عملات عالمية أكثر واقعية من أي وقت مضى. الخيار الآن في يد بكين: إما طريق التفاوض، أو استخدام أدوات مالية قادرة على تغيير مسار الاقتصاد العالمي.
وفي كلتا الحالتين، يبدو أن العالم مقبل على اختبار اقتصادي عسير، قد لا يخرج أحد منه منتصرًا.