تصعيد التوترات في مؤتمر ميونخ للأمن: خلافات حادة حول أوكرانيا والديمقراطية الأوروبية

تحت إجراءات أمنية مشددة، انطلقت أعمال مؤتمر ميونخ للأمن وسط أجواء متوترة بين كبار السياسيين والدبلوماسيين، في ظل تصاعد النقاشات حول الصراع في أوكرانيا وإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام.
تصريحات مثيرة للجدل
أثار نائب الرئيس الأميركي، جاي دي فانس، جدلًا واسعًا خلال كلمته في المؤتمر يوم الجمعة، إذ شن هجومًا لاذعًا على السياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة، وانتقد بشدة الأحزاب اليمينية المناهضة لها، فضلًا عن موقف أوروبا من حرية التعبير. وأكد فانس أن ما يقلقه ليس التهديدات التي تمثلها روسيا والصين، وإنما تراجع أوروبا عن بعض من أهم قيمها الأساسية.
موقف أوروبي حاسم
وفي تعليق على مواقف الإدارة الأميركية، شدد رئيس ليتوانيا، غيتاناس ناوسيدا، على ضرورة وجود موقف أوروبي واضح على طاولة المفاوضات بشأن أوكرانيا والتوصل إلى تسوية سلمية. وقال ناوسيدا من أمام فندق “بايريشر هوف”، حيث يُعقد المؤتمر: “أنا لست خائفًا من الرئيس الأميركي أو نائبه، ولكن الإدارة الأميركية الجديدة ستكون موضع ترحيب فقط إذا كان لأوروبا موقف واضح وحاسم بشأن أوكرانيا”.
وأضاف، في حديث للجزيرة نت: “بصفتي رئيسًا لدولة تمثل الجناح الشرقي لحلف الناتو، فإن تحقيق سلام مستدام في أوكرانيا أمر بالغ الأهمية، كما يجب منع أي تصعيد جديد للصراع”، مؤكدًا في الوقت ذاته أهمية التعاون عبر الأطلسي، لكنه شدد على ضرورة أن تتحمل الدول الأوروبية مسؤولياتها في تقاسم الأعباء العسكرية والمالية بشكل أكثر عدالة.
وفيما يتعلق بتوجهات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اكتفى ناوسيدا بالقول: “سنراقب ونرى ما سيحدث”.
التحركات الدبلوماسية
التقى ناوسيدا بالرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في ميونخ، حيث بحثا سبل توحيد المواقف بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة، إضافة إلى الخطوات المطلوبة لتعزيز موقف أوكرانيا وممارسة المزيد من الضغوط على روسيا لإنهاء الحرب بشكل عادل ودائم.
وكان ترامب قد أعلن، في الفترة التي سبقت المؤتمر، عن بدء محادثات مع روسيا واتصالات هاتفية مع بوتين، في محاولة لإنهاء الحرب، مؤكدًا أن الدول الأوروبية يجب أن تتحمل الجزء الأكبر من الأعباء العسكرية والمالية لحماية أمن أوكرانيا.
خطاب استفزازي ومواقف متباينة
بخلاف التوقعات، تجنب جاي دي فانس الخوض في القضايا الأمنية الخلافية بين واشنطن وأوروبا أو التطرق إلى الحرب الأوكرانية، وبدلًا من ذلك، ركّز على انتقاد السياسات الأوروبية في قضايا الهجرة وتجاهل المخاوف الشعبوية للناخبين.
وقال فانس: “لطالما قيل لنا إن دعمنا وتمويلنا لأوروبا يأتي من منطلق القيم الديمقراطية المشتركة، لكن عندما نشاهد المحاكم الأوروبية تلغي الانتخابات، أو مسؤولين يهددون بإلغائها، علينا أن نتساءل ما إذا كانت هذه القيم لا تزال تُحترم”.
كما اتهم المسؤول الأميركي الزعماء الأوروبيين بالتقصير في التعامل مع أزمة الهجرة، مشيرًا إلى أن “هذه الأزمة لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة قرارات متعمدة اتخذها السياسيون الأوروبيون خلال العقد الماضي”.
في غضون ذلك، أفادت تقارير بأن فانس التقى بزعيمة حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، أليس فايدل، لمدة نصف ساعة، بينما رفض مقابلة المستشار الألماني الحالي، أولاف شولتس.
تصعيد في الانتقادات
قبل تصريحات فانس، كان الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير قد وجّه انتقادات لاذعة إلى ترامب وكبار مسؤولي التكنولوجيا، متهمًا إياهم بالسعي لتدمير الديمقراطية. وقال شتاينماير: “الإدارة الأميركية الجديدة تتبنى رؤية عالمية مختلفة كليًا عن رؤيتنا، وهي رؤية لا تحترم القواعد الراسخة أو الشراكات أو الثقة التي بُنيت عبر الزمن”.
من جانبه، وصف وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، تصريحات فانس حول أوروبا بأنها “غير مقبولة”. وأضاف: “لقد تحدث عن إلغاء الديمقراطية، وإذا كنت قد فهمته جيدًا، فإنه يقارن بين بعض الأوضاع في أوروبا وتلك التي تعيشها الأنظمة الاستبدادية، وهذا أمر غير مقبول إطلاقًا”.
كما عبّر فريدريش ميرز، مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني، عن قلقه من توجهات السياسة الخارجية الأميركية، مشيرًا إلى أن واشنطن “تتدخل بشكل واضح في الانتخابات الأوروبية، بينما يستعد الألمان للتصويت خلال الأيام القليلة المقبلة”.
القضية البيلاروسية في قلب النقاشات
وسط هذا المشهد المحتدم، برزت القضية البيلاروسية كملف محوري في المناقشات. وأكدت زعيمة المعارضة البيلاروسية في المنفى، سفياتلانا تسيخانوسكايا، ضرورة تمثيل القضية البيلاروسية في الأجندة الأوروبية.
وفي حديث خاص مع الجزيرة نت، شددت تسيخانوسكايا على أن “أي مفاوضات تتعلق بأوكرانيا يجب أن تتضمن بيلاروسيا، إذ لا يمكن تحقيق السلام والأمن في المنطقة دون بيلاروسيا ديمقراطية مستقلة”.
وأكدت أن بيلاروسيا وأوكرانيا “ليستا مجرد قطع يمكن تقسيمها ومنح بعضها إلى روسيا، بل هما دولتان ذاتا سيادة، تريدان فقط تحديد مستقبلهما بحرية”.