تأثر اقتصاد الأردن بحرب إسرائيل على غزة؟
تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة على اقتصاد الأردن: تحديات وآفاق في ظل أوضاعه الاقتصادية الصعبة
في حين يواجه الأردن تحديات استعادة استقرار اقتصاده الهش بعد تأثيرات جائحة كورونا (كوفيد-19)، جاء العدوان الإسرائيلي على غزة ليفاقم المشاكل والضغوط الاقتصادية. يشهد البلد معدل بطالة يصل إلى 22.3%، وديناً يتجاوز 56 مليار دولار، مما يشكل نسبة 114% من الناتج المحلي الإجمالي.
تشير دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن التكلفة الاقتصادية للحرب بين إسرائيل وحماس في غزة على الدول المجاورة، مثل الأردن ومصر ولبنان، قد تصل إلى 10 مليارات دولار هذا العام، مما يتسبب في زيادة الفقر لأكثر من 230 ألف شخص.
تشير المؤشرات إلى أن الاقتصاد الأردني بدأ يدفع ثمن الحرب، خاصة في قطاع السياحة الذي شهد إلغاء نصف الحجوزات، وهو يسهم بنسبة 15% في الناتج المحلي الإجمالي. يتسارع التأثير إلى مختلف القطاعات، مع تراجع القدرة على المنافسة وارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن.
يبرز تحدي المحافظة على بيئة استثمارية إيجابية، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، مع تأكيد الملك عبدالله الثاني على أن الاقتصاد الأردني بعد الحرب لن يعود كما كان قبل 7 أكتوبر 2023.
قطاع السياحة الأكثر تضررا
“صرح الخبير الاقتصادي الأردني، مهند عريقات، الذي يشغل منصب كبير المحللين في شركة “سي إف آي” (CFI)، للجزيرة نت بأن الحرب في غزة قد ألحقت أضرارًا كبيرة بعدة قطاعات اقتصادية في الأردن، بما في ذلك قطاعات الخدمات، والتجارة، والسياحة، والمطاعم، والنقل.”
أكد مهند عريقات، الخبير الاقتصادي الأردني وكبير المحللين في شركة “سي إف آي”، أن قطاع السياحة في الأردن يعد الأكثر تأثراً جراء الحرب في غزة. وفقًا لوزير السياحة الأردني مكرم القيسي، تأثرت أعمال 57 ألف أردني يعملون في هذا القطاع جزئيًا أو كليًا. وشهدت حجوزات الفنادق ومكاتب السياحة والسفر انخفاضًا بنسبة 50%، بينما تراجعت مبيعات العقارات بنسبة 20%، وشهدت حجوزات المطاعم السياحية انخفاضًا يتراوح بين 60% و70%.
وأشار عريقات إلى تفاقم مشكلة البطالة، حيث فقد العديد من الأردنيين وظائفهم بسبب حملات المقاطعة للمطاعم والمنتجات الغربية، خاصة مع اعتماد 70% من الاستهلاك الأردني على المنتجات المستوردة. وأضاف أن انخفاض إيرادات المواطنين أثر على الإنفاق وتراجع الإيرادات الضريبية للحكومة، مع تغيير سلوك الاستهلاك نحو التحفظ والادخار.
من جهة أخرى، أوضحت نور المصري، مديرة وساطة في سوق عمان المالي، أن الحرب في غزة سببت عدم الاستقرار الذي يؤثر على استثمارات الأردن ونموه الاقتصادي، مما تسبب في تراجع المشاريع وتأخير التوسع في المشاريع الحالية، وحتى هجرة بعض المشاريع خارج البلاد، مما أدى إلى تقليل التدفقات النقدية وزيادة معدلات البطالة.
أوضحت نور المصري، مديرة وساطة في سوق عمان المالي، أن الحرب في غزة تسببت في تأثيرات سلبية على الأعمال التجارية والاقتصاد الأردني. وأشارت إلى أن الأوضاع البحرية غير الآمنة في البحر الأحمر نتيجة للحرب أدت إلى تعطل الأعمال التجارية المعتمدة على الاستيراد والتصدير. وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على البضائع ساهم في ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم في السوق المحلية.
وبالنسبة لارتفاع معدلات البطالة، خاصةً بين الشباب، أشارت المصري إلى أن الارتباط الوثيق بين الشعبين الأردني والفلسطيني أدى إلى حركة مقاطعة واسعة النطاق للعلامات التجارية والسلع الأجنبية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، تراجعت أرباح هذه الشركات، مما استدعى الاستغناء عن اليد العاملة الأردنية، مما أدى إلى زيادة نسبة البطالة بين الشباب.
آثار إيجابية
بيد أن المصري استدركت بالقول “كان لهذه المقاطعة آثار إيجابية على الصناعة الأردنية وبالذات الصناعات الغذائية، إذ أقبل الأردنيون على شراء المنتجات المحلية كبديل للمنتجات الأجنبية التي قاطعوها، وهذا توجه يبدو أنه لن يتوقف في المستقبل حتى بعد انتهاء الحرب، فهناك حالة عامة من الوعي بأهمية دعم المنتج المحلي، والتخلي عن المنتجات الأجنبية بالذات تلك العلامات التجارية العالمية المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني
توقعت نور المصري، مديرة وساطة في سوق عمان المالي، أن تكون هناك آثار إيجابية على الاقتصاد الأردني، خاصةً بعد انتهاء الحرب وبدء حركة إعادة الإعمار في قطاع غزة. في هذا السياق، توقعت المصري مشاركة فعالة من الأردن في مشاريع إعادة الإعمار نظرًا للقرب الجغرافي والعلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الأردن وفلسطين. وأشارت إلى أن ذلك سيؤدي إلى تنشيط قطاع الإنشاءات وصناعة الحديد والصلب والإسمنت، بالإضافة إلى تعزيز جميع مدخلات ومخرجات عملية البناء.
صدمات متتالية
في خطابه أمام مجلس النواب حول الموازنة العامة للسنة المالية 2024، أكد وزير المالية الأردني، محمد العسعس، أن الأردن تمكن من تجاوز العديد من الأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية، ونجح في استيعاب صدمات عديدة بفضل استقراره السياسي والاجتماعي، والأسس الراسخة التي يقوم عليها اقتصاده.
توقع العسعس أيضًا أن يحقق الاقتصاد نموًا حقيقيًا يقدر بنحو 2.6%. وتعتمد الحكومة الأردنية في عام 2024 على تحقيق إيرادات عامة بقيمة حوالي 14 مليار دولار، بارتفاع يقدر بنحو 8.9% مقارنة بعام 2023، بالإضافة إلى زيادة في المنح الخارجية تتجاوز مليار دولار. وتتوقع الحكومة تراجع إجمالي الدين العام إلى نحو 88% من الناتج المحلي الإجمالي.
يشير مشروع الموازنة لعام 2024 إلى توقع حدوث عجز بقيمة 1.143 مليار دولار، مقارنة بالعجز البالغ 2.625 مليار دولار في العام السابق.