اليوميات والصحافة: تقاطع الفنون في توثيق الحروب والأحداث الكبرى
الصحافة واليوميات: تقاطع الفنون في سرد الوقائع
يبدو للوهلة الأولى أن فن اليوميات وفن الصحافة هما مجالان مختلفان تماماً؛ فاليوميات نشأت في السرية وغالباً ما ترتبط بقصص الإخفاء والدفاتر المدفونة في الأدراج أو المخفية تحت الوسائد، بينما الصحافة تهدف إلى إخبار الناس ونشر الحقائق والفضائح. لكن، ما الذي يجمع بين هذين الفنين؟
الاسم المشترك
تُعرَف “اليوميات” بالفرنسية بـ”جورنال” (Journal)، وهو المصطلح نفسه الذي يُستخدم في الإنجليزية ليعني “مذكرات” (Diary)، وكذلك الصحيفة أو المجلة. تتشارك اليوميات والصحافة في فكرة التدوين والتوثيق اليومي، فـ”اليومية” تعني ما يُسجل يومياً، تماماً كـ”الصحيفة اليومية” التي تصدر كل يوم. كما أن بعض الصحف حرصت على تضمين كلمة “يوم” أو “اليوم” في عنوانها.
اليوميات في سياق الحروب
لطالما ارتبطت اليوميات بالخطر كمحفز أساسي لإنتاجها، إذ غالباً ما تكون وليدة الحرب، سواء كانت حقيقية أم نفسية. إن التاريخ العربي لليوميات يتضمن توثيقاً للحروب من الجزائر إلى بيروت، بغداد، الكويت، وغزة.
يقدم الكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف في كتابه “وقت مستقطع للنجاة: يوميات الحرب في غزة” الصادر عن دار الأهلية 2024 شهادة حية عن فترة الحرب على غزة. فقد بدأ أبو سيف تدوين يومياته بعد وصوله إلى غزة، حيث وجد نفسه محاصراً مع ابنه، وقرر توثيق الأحداث التي يعيشها.
التدوين والتوثيق
تبدأ اليوميات من لحظة تحفيز الحرب، حيث كان أبو سيف ينوي في البداية كتابة مذكرات غير منتظمة. إلا أن الوضع تطور إلى كتابة يومية منضبطة ومستمرة، فالتدوين أصبح جزءاً من مقاومته ومشاركته في الأحداث. إن هذا التغيير من الكتابة الحرة إلى العمل اليومي يعكس أهمية اليوميات كأداة توثيقية وحفظية.
الصحافة تدعم اليوميات
ساهمت الصحافة في دعم عمل أبو سيف من خلال نقل أحداث الحرب وتوثيقها. فقد لعبت خلفيته السياسية كوزير ثقافة سابق وتاريخه الأدبي دوراً مهماً في تعزيز مصداقية عمله. بالإضافة إلى ذلك، شكلت علاقاته بالإعلام والمجتمع الدولي جزءاً من عملية توصيل الأخبار من غزة إلى العالم الخارجي.
أهمية اليوميات
استمرت يوميات أبو سيف في تقديم نظرة عميقة وفردية للأحداث، حيث يروي من خلالها فظائع الحرب ومشاعر الناس. إن اليوميات تقدم سرداً واقعياً يتجاوز مجرد نقل الأخبار إلى تقديم مشاعر إنسانية وتفاصيل حياتية.
إن اليوميات، كما أشار عبد الرحمن منيف، تكشف عن التاريخ الحقيقي للأحداث التي قد تُغفل في السرد الرسمي. ولذلك، تشكل اليوميات ليس فقط أداة توثيق، بل شهادة حية على ما يحدث في لحظات الحرب والأزمات.