الرقائق تشعل حربا عالمية للفوز بقيادة “دفة” الذكاء الاصطناعي
تعهدت الصين في الشهر الماضي بتخصيص مبلغ 48 مليار دولار لصندوق أشباه الموصلات الوطني، بهدف تعزيز صناعة الرقائق على المستوى الوطني. وتُعَد هذه الصناعة الوقود المحرك لعصر الذكاء الاصطناعي الجديد، وفقًا لتقرير وكالة الأناضول.
من جانبها، خصصت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي حوالي 80 مليار دولار على شكل منح وقروض وإعفاءات ضريبية لتطوير صناعة أشباه الموصلات محليًا، ضمن حزمة تمويلية أوسع تجاوزت قيمتها 140 مليار دولار.
إجمالاً، تجاوزت التدفقات النقدية التي قدمتها الحكومات من الشرق إلى الغرب أكثر من 350 مليار دولار، وذلك بهدف الهيمنة على سوق أشباه الموصلات ومن ثم قيادة تطور الذكاء الاصطناعي.
تعتبر أشباه الموصلات مكونات إلكترونية صغيرة تدخل في صناعة مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من الألعاب الإلكترونية وصولاً إلى التكنولوجيا العسكرية والفضائية. تلعب هذه المكونات دوراً حيوياً في تخزين ونقل البيانات في الأجهزة الإلكترونية، بقدرة غير محدودة تقريباً على تخزين البيانات وتصنيفها وإعادة عرضها.
إيرادات تريليونية
وفقًا لتقرير حديث من شركة “إنترناشيونال بيزنس ستراتيجيز” الاستشارية لصناعة الرقائق، من المتوقع أن تصل إيرادات صناعة الرقائق عالميًا إلى 580 مليار دولار في عام 2024، بزيادة من 530 مليار دولار في العام السابق. ويتوقع أن تستمر الإيرادات في النمو حتى تصل إلى 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2030، مما يعكس طفرة كبيرة في الطلب على أشباه الموصلات.
تشير بيانات منظمة “سيمي” (SEMI) إلى أن حوالي 70% من إجمالي القدرة التصنيعية لأشباه الموصلات تتواجد في كوريا الجنوبية وتايوان والصين، بينما تحتل الأميركتان المرتبة الخامسة بعد اليابان التي استحوذت على 13% من حصة السوق في عام 2022.
هيمنة أميركية
في الماضي، كانت الولايات المتحدة تمتلك 37% من قدرة تصنيع أشباه الموصلات عام 1990، وأوروبا 44%، بينما كانت اليابان تسيطر على 19%. في الثمانينيات، كانت اليابان تحتل مركزاً قوياً في هذا المجال حيث شكلت 51% من مبيعات الرقائق العالمية عام 1988.
في 28 مارس/آذار الماضي، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة هي من اخترع الرقائق الإلكترونية بفضل برنامجها الفضائي، مشيرًا إلى أنه قبل 30 عامًا كانت أميركا تصنّع 40% من إجمالي إنتاج الرقائق العالمي، ولكن هذا النسبة تراجعت بشكل كبير بمرور الوقت.
تدفق على الصناعة
تتدفق حالياً الأموال من الحكومة الأميركية إلى شركات تصنيع الرقائق كجزء من قانون الرقائق، بينما توفر الدول الأخرى حزم مساعدات خاصة بها. في الشهر الماضي، أعلنت كوريا الجنوبية عن حزمة دعم بقيمة 19 مليار دولار لصناعة الرقائق، وخصصت الصين 48 مليار دولار في دفعة ثالثة وأكبر حتى الآن لصندوق أشباه الموصلات الوطني.
كما قدمت اليابان والاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات كدعم حكومي لشركات أشباه الموصلات بهدف تعزيز عمليات البحث والتطوير والتصنيع.
وقد تم تقديم تمويل لشركات مثل إنتل وتايوان لصناعة أشباه الموصلات وسامسونغ إلكترونيكس وميكرون تكنولوجي بموجب قانون الرقائق.
في هذا السياق، شهدت شركة إنفيديا ارتفاعًا كبيرًا في إيراداتها وأرباحها، حيث سجلت أرقامًا قياسية في الربع الأخير من عام 2023، وبلغت قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار في نهاية إحدى جلسات التداول، مما يجعلها ثاني أكبر شركة أميركية مدرجة في وول ستريت.
عقوبات على الصين
انطلقت الصين من الصفر تقريباً قبل 20 عامًا في صناعة أشباه الموصلات، ونجحت في تجاوز الولايات المتحدة التي كانت تستحوذ على 37% من السوق، قبل أن تفقد ريادتها لصالح تايوان التي تطالب بكين بالسيادة عليها. أثار ذلك قلق واشنطن، مما دفعها لفرض عقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية، وعلى رأسها “هواوي”. وردت الشركات الصينية بشراء كميات كبيرة من الرقائق تحسباً لأي حظر على تصديرها، مما أدى إلى ندرة في السوق الدولية، تفاقمت بفعل أزمة سلاسل التوريد الناتجة عن وباء كورونا.
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قيدت واشنطن صادرات أشباه الموصلات إلى الشركات الصينية، وألزمت الشركات الأميركية الراغبة في تصدير الرقائق إلى بكين بالحصول على رخصة مسبقة. كما ضغطت الولايات المتحدة على دول حليفة مثل تايوان وهولندا واليابان لوقف صادراتها من أشباه الموصلات ومعدات تصنيعها إلى الصين. انضمت اليابان إلى الولايات المتحدة وهولندا في تقييد صادرات معدات صناعة الرقائق إلى بكين.