التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية: مفهومه ومستقبله
توافق تقييمات المحللين ومراكز أبحاث الأمن القومي على أن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية يُعَدُّ مصلحة مشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث تُستَغله إسرائيل لتقليل حدة التوتر وتجنب مواجهات شاملة، ويُعتبر أيضًا ضروريًا بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي تدرك أن غياب التنسيق يمكن أن يعرض استمراريتها ونفوذها في الضفة الغربية للخطر.
وبسبب هذا التبادل المشترك للمصالح، فإن التنسيق الأمني، الذي شهد تقلبات على مدى ثلاثة عقود، وتأكيدا من الجانب الإسرائيلي على استمراره، لم ينقطع بشكل كامل، حتى في ظل الأزمات والتوترات بين حكومات إسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. وهذا يعكس استمرارية القنوات العليا للتواصل، التي تُعَتَبَرُ المظلة الشاملة لهذا التنسيق الأمني.
وفي الوقت الحالي، عادت قضية تجميد أو إيقاف التنسيق الأمني إلى الواجهة بعد النزاع العسكري الأخير بين إسرائيل وغزة، خاصةً في ظل الاحتفال بالذكرى الثلاثين لاتفاقية أوسلو. ويتجلى التنسيق الأمني الحالي كوسيلة للضغط وآلية للابتزاز، سواء من قِبَل سلطات الاحتلال الإسرائيلي أو حتى السلطة الفلسطينية التي هددت بالتوقف عن التنسيق عدة مرات.
نموذج الضفة
على الرغم من تأكيد قيادة السلطة الفلسطينية في 18 أكتوبر الماضي استمرار وقف التنسيق الأمني نتيجة للحرب على غزة، إلا أن الجانب الإسرائيلي أصر على أن التنسيق لم يتوقف على الإطلاق، بل تعززت حتى منذ معركة “طوفان الأقصى”. يشهد الوضع تصاعدًا في الدعوات، حتى داخل حركة فتح، لإعادة النظر في مفهوم التنسيق الأمني.
وفي إسرائيل، تأتي دعوات لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية للسلطة الفلسطينية في سياق مقترح أميركي لإعادة بناء السلطة، ممهدًا لاحتمالية تولي الحكم في قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب. يأتي هذا وفقًا لتقديرات من “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب.
وأثناء تصاعد الأحداث في غزة، يشير رام كوهين، رئيس قسم بحث العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية في المعهد، إلى أهمية إنشاء سلطة فلسطينية فاعلة على المستوى المدني والأمني، قادرة على التعامل مع غزة بشكل يشبه تجربة الضفة الغربية. يُشدد على أن هذا يُعتَبَرُ مصلحة إسرائيلية قبل أن تكون فلسطينية، خاصةً في سياق السعي للقضاء على وجود حماس في غزة.
لقاء المصالح
في إطار لقاء المصالح بين الجانبين، يهدف الجانب الإسرائيلي من خلال التنسيق الأمني إلى إحباط “العمليات المسلحة” وتقويض النشاط الفلسطيني للمقاومة، في حين تسعى السلطة الفلسطينية من خلال هذا التنسيق إلى إضعاف المعارضة الفلسطينية والحفاظ على موقفها الحاكم. يتقاطع هذا التعاون في تحقيق تنسيق فعال للشؤون المدنية والخدماتية والاقتصادية والضريبية، فضلاً عن قضايا مثل تشغيل العمال والتنقل والسفر وإصدار التصاريح للفلسطينيين.
حتى قبل عملية “الجدار الوقائي” في عام 2002، كانت السلطة الفلسطينية غير مستعدة للتعاون في السياق الأمني الذي طرحته إسرائيل. ومع مرور الوقت، أدركت السلطة أن فرص بقائها بالحكم دون التنسيق الأمني ستكون محدودة.
شهد التنسيق الأمني تطورًا وتوسعًا بعد ثلاثة أحداث رئيسية: وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في عام 2004، والنجاح البارز الذي حققته حماس في الانتخابات عام 2006 وتوليها الحكم في قطاع غزة عام 2007. أصبح التنسيق أكثر أهمية لإسرائيل في هذه الفترة.
في ظل عمليات “كاسر الأمواج”، أظهرت تقديرات إسرائيلية أن دور وأهمية التنسيق الأمني لم يتلاشَ بالرغم من التهديد بتعليقه من قبل السلطة. وتمت الحملات اليومية في الضفة بناءً على معلومات استخباراتية من الجيش والشاباك، بالتنسيق مع الأمن الفلسطيني، بهدف تجنب التصعيد والاحتكاك مع القوات العسكرية.
في هذا السياق، وصف العقيد احتياط موشيه إلعاد وقف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بأنه “تهديد فارغ وعديم الجدوى”. وأشار إلى أن التهديدات الناتجة عن مناقشات داخل حركة فتح حول وقف التنسيق هي محاولة للترويج لقطع العلاقات مع إسرائيل، ورؤية للرئيس عباس كزعيم قومي متشدد. وركز على أن إعلان وقف التنسيق يكون صورياً، مُوَضِّحًا أنه في الممارسة العملية، لا يوجد انقطاع حقيقي، وإذا حدث ذلك، فإنه سيعني نهاية حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.