التحديات والآفاق المستقبلية للحوسبة الكمومية: من الحوسبة التقليدية إلى الحواسيب العملاقة
مع بداية العشرينيات من القرن الحالي، لاحظ العديد من الخبراء تراجع فعالية قانون مور، الذي وضعه غوردون مور في عام 1965، والذي ينص على تضاعف سرعة المعالجات كل عامين (وتم تعديله لاحقًا ليكون كل 18 شهرًا). السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن الترانزستورات الصغيرة جدًا، بحجم 3 نانومتر المتوفرة اليوم، أو نانومترين التي تخضع للاختبار من قبل شركات مثل سامسونغ، قد اقتربت من حدودها المادية، مما يجعل من الصعب تصغيرها أكثر.
رغم ذلك، لا يزال التقدم مستمرًا في مجال الحوسبة من خلال مسارات أخرى مثل تحسين بنية المعالجات وتطوير البرمجيات والخوارزميات. لتحقيق سرعات أكبر، تتزايد الحاجة إلى بناء حواسيب عملاقة تحتوي على آلاف المعالجات.
الحواسيب العملاقة:
تصدّر “فرونتير” قائمة أسرع 500 حاسوب في العالم لعام 2024، محققًا سرعة تفوق 1.1 إكزا فلوب (ExaFLOP)، أي ما يعادل مليار مليار عملية حسابية في الثانية. يستخدم “فرونتير”، الموجود في مختبر أوك ريدج الوطني بالولايات المتحدة، في إجراء أبحاث علمية متقدمة مثل محاكاة التغير المناخي وتحليل الجينوم وتصميم الأدوية.
رغم قوتها، فإن الحواسيب العملاقة غير كافية للتعامل مع بعض التحديات الحسابية في عصر الذكاء الاصطناعي، مما يدفع نحو الحاجة إلى تقنيات حوسبة جديدة مثل الحوسبة الكمومية.
الحوسبة الكمومية:
ظهرت فكرة الحوسبة الكمومية بفضل العلماء ريتشارد فاينمان وديفيد دويتش في ثمانينيات القرن الماضي. تقوم هذه التقنية على استخدام البتات الكمومية (الكيوبتات) التي تستطيع أن تكون في حالات متعددة في آن واحد، مما يمنحها قدرة حسابية هائلة مقارنة بالحوسبة التقليدية التي تعتمد على البتات التي تكون إما 0 أو 1 فقط.
التقدم في هذا المجال شهد خطوات هامة مثل إعلان غوغل عام 2019 عن تفوق حاسوبها الكمومي على الحواسيب التقليدية، وكذلك إطلاق “آي بي إم” لأول شريحة كمومية تحتوي على ألف كيوبت عام 2023.
فوائد وتحديات الحوسبة الكمومية:
تتيح الحوسبة الكمومية حلولاً قوية في مجالات مثل تطوير الأدوية واستكشاف الطاقة وتحليل البيانات الضخمة. لكنها أيضًا تشكل تهديدًا خطيرًا على أمن الإنترنت، حيث يُتوقع أن تتمكن الحواسيب الكمومية من فك تشفير أنظمة الحماية الحالية بسرعة كبيرة.
ورغم كل هذا التقدم، لا تزال الحوسبة الكمومية تواجه تحديات تقنية كبيرة، ما دفع بعض العلماء للتحذير من “شتاء كمومي” محتمل، حيث قد ينخفض الاهتمام بها إذا لم تُحل هذه المشاكل في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإن العديد من الفرق البحثية حول العالم تواصل العمل لتجاوز هذه العقبات وتحقيق قفزات نوعية في هذا المجال.