الأوهام والتحديات في المشهد الثقافي المصري الحالي
الوهم والصنم هما وجهان لعملة واحدة وهي “الزيف” أو التشويه للحقائق. وعلى الرغم من أن الأدب ليس مادة مجسمة، إلا أنه يمثل الذائقة الثقافية ويؤثر في الوعي والسلوك. يُعَدّ توفيق الحكيم وجمال عبد الناصر مثالًا بارزًا في حياة المصريين؛ حيث تأثر الأخير برواية “عودة الروح” للحكيم واعتبرها جزءًا من رؤيته السياسية.
الهدف من هذا المثال هو توضيح خطر الوهم الصنمي في المجال الأدبي والنقدي، وكشف عن الخطورة التي يشكلها الأدباء الذين يتم تجسيدهم كأيقونات ويُمدحون بشكل غير مستحق. فمثل هؤلاء الأدباء، مثل أحمد عبد المعطي حجازي، يظلون يحتلون مواقع بارزة في الثقافة والأدب، حتى بعد انقطاع إبداعهم.
الشاعر حجازي، على سبيل المثال، استمر في الحصول على الاعتراف والتقدير، وحتى بعد وفاته، حيث استمرت مؤلفاته في الانتشار وتميزه بجوائز أدبية، على الرغم من انحسار قدرته الإبداعية. يُظهر سلوكه الأخير، كتنظيم ندوة عن “المرأة الفرنسية” بدلاً من المرأة المصرية، كيف أنه بقي مُلَحَّقًا بذكرياته الشخصية ولم يتمكن من التأقلم مع المستجدات.
بالنسبة لإدوار الخرَّاط، فقد كان يتمتع بنفوذ وسلطة داخل المجال الثقافي، واستغل ذلك لصالحه بتعيين مجموعة من الموهوبين الذين يديرون الواقع الثقافي وينشرون أفكاره، حتى بعد رحيله. كما استغل تواجده بالقرب من السلطة لصالح أجندته الشخصية دون مراعاة للمصلحة العامة.
هذه الأمثلة تبرز خطورة تأثير الأدباء والنقاد الذين يُمجّدون بشكل غير مبرر ويُعبّرون عن أفكارهم بطريقة تشويهية للحقائق، مما يؤثر سلبًا على الحياة الثقافية والأدبية في المجتمع.
ركاكة وثرثرة
الروائي المثير للجدل في الساحة الثقافية المصرية حاليًا هو “يوسف القعيد”، الذي نال استحسان الشيوعيين والناصريين وضباط جهاز المباحث العامة في عهد عبد الناصر، وكذلك ضباط جهاز أمن الدولة في عهد حسني مبارك. بالتسلل والتعيين، تمكن من أن يصبح عضوًا في مجلس النواب في العصر الحالي، وكان عضوًا سابقًا في لجنة القصة، كما كان جزءًا من الدائرة الضيقة التي كانت تحيط بالكاتب الراحل “نجيب محفوظ” إلى جانب “جمال الغيطاني”.
هذا الوهم يُفسر وجوده في الساحة الأدبية المصرية بشكل غير منطقي، فجهوده في المباحث تعتبر واضحة بشكل ذاتي، وليس هناك حاجة لأدلة إضافية. ومن المؤسف أن “يوسف إدريس” نفسه اعترف به ككاتب، كما أورد في حوار إذاعي بثته “صوت العرب”.
بمسؤوليتي، أؤكد أن “يوسف القعيد” لا يمتلك صفات الروائي، بل في أحسن الأحوال، يُعتبر محررًا ثقافيًا بقدرات متواضعة. ومع ذلك، فقد تم تصوير كتاباته وتحويلها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، ولقد كانت تجربة مؤلمة للقراءة لرواياته مثل “أخبار عزبة المِنيسي” و”وجع البعاد” و”لبن العصفور”. كانت هذه التجربة غير مريحة بالنسبة لي أثناء عملي في القسم الثقافي بإحدى الصحف، حيث اكتشفت فيها هشاشة وتقصيرًا وثرثرة لا تليق بمكانة الروائيين، ولكن ارتباطه بالسلطة منحه المكانة التي لا يستحقها.
ومن الفكاهة السوداء أنه خلال مقابلة صحفية مع مجلة “الشروق” الإماراتية قال فيها “يوسف القعيد” ردًّا على سؤال حول رأيه في جمال عبد الناصر: “هو الزعيم الذي بعثته العناية الإلهية للوطن العربي وأفريقيا، هو زعيم عمري، ويغضبني أن يتعرض أحد لعبد الناصر بسوء”. لم نقم بتقييم تجربة عبد الناصر، ولكن الغريب هو أن القعيد قد قال ذلك وهو يدعم حكم مبارك أيضًا ويعتبره “زعيم عمره” الذي حقق الاستقرار والتنمية والديمقراطية!
الحديث عن “القعيد” يقودنا بالضرورة إلى التحدث عن نظيره، الراحل “جمال الغيطاني”، الذي كان يشغل مناصب متعددة وكان له نفوذ واسع في العواصم العربية، ولكنه لم يترك رواية تذكر إلى جانب “الزَّينى بركات”. ويمكن لأي شخص يرغب في معرفة تجربته الروائية المتواضعة الاطلاع على كتاب “في الرواية العربية المعاصرة” للناقد الراحل “فاروق عبد القادر”، الذي صدر عن دار الهلال منذ عشرين عامًا، حيث يتم التطرق لكل شيء عن تجربة “الغيطاني” الروائية المتواضعة من حيث المستوى والقيمة.
تجربة “بهاء طاهر” تعكس تجربة “القعيد” و “الغيطاني”، حيث كانت محاولة متواضعة ولكنها فاشلة للوصول إلى مكانة نجيب محفوظ، ولكن مواهبهم الضعيفة لم تدعم تلك الطموحات.