اقتصاد

ارتفاع صادرات النفط الإيراني إلى الصين رغم تشديد العقوبات الأميركية

بعد أكثر من أسبوع على نشر تقارير تفيد بارتفاع كمية النفط الإيراني المخزن على الناقلات العائمة إلى مستويات قياسية نتيجة تشديد العقوبات الأميركية، كشفت بيانات تتبع شحنات النفط العالمية عن زيادة ملحوظة في تدفقات الخام الإيراني إلى الصين. يأتي ذلك خلال الشهر الأول من عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، رغم استئنافه سياسة “الضغوط القصوى” على صادرات النفط الإيراني.

ارتفاع تدفقات الخام الإيراني إلى الصين

نشرت وكالة بلومبيرغ الأميركية، الأربعاء الماضي، تقريرًا يشير إلى تزايد واردات الصين من النفط الإيراني خلال فبراير/شباط الجاري. واستنادًا إلى بيانات شركة “كبلر” المتخصصة في تتبع شحنات النفط والغاز، توقعت الوكالة ارتفاع الواردات الصينية إلى 1.74 مليون برميل يوميًا، بزيادة نسبتها 86% عن المعدل اليومي المسجل في الشهر السابق، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأوضحت بلومبيرغ أن التجار نجحوا في تجاوز العقبات اللوجستية الناجمة عن العقوبات الأميركية عبر زيادة عمليات النقل بين السفن والاعتماد على محطات استقبال بديلة.

ويأتي هذا التطور بعد تقرير لوكالة رويترز، أشار إلى أن مخزون النفط الإيراني العائم تجاوز 25 مليون برميل، وهو أعلى مستوى في أكثر من عام، حيث توجد نحو 80% من الشحنات قبالة سواحل سنغافورة وماليزيا.

صعوبات لوجستية وتحديات في الشحن

رغم ارتفاع الصادرات، تواجه طهران تحديات في جذب ناقلات جديدة لنقل النفط بسبب تشديد العقوبات الأميركية، مما يقلص عدد السفن المتاحة لتسليم الشحنات، وفق تقرير رويترز. كما تعاني إيران من صعوبات في تفريغ الشحنات، خاصة بعد أن فرضت مجموعة موانئ شاندونغ الصينية، الشهر الماضي، حظرًا على استقبال الناقلات الخاضعة للعقوبات.

وفي هذا السياق، يرى رئيس نقابة مصدري النفط والغاز والبتروكيميائيات في إيران، حميد حسيني، أن القرارات الأخيرة الصادرة عن البيت الأبيض لم تؤثر بعد على التجارة العالمية للنفط، نظرًا لعدم دخولها حيز التنفيذ فعليًا.

وأوضح حسيني، في تصريح للجزيرة نت، أن صادرات النفط الإيراني شهدت انخفاضًا طفيفًا العام الماضي بسبب مطالبة طهران بتخفيض الخصومات على نفطها، إلا أن التدفقات إلى الصين بدأت في الارتفاع منذ نهاية العام، وسجلت مستوى قياسيًا هذا الشهر لتعويض التراجع السابق.

وأضاف أن ارتفاع تدفق النفط الإيراني إلى الصين يعود إلى زيادة استقبال الموانئ الصينية للشحنات العائمة، إلى جانب مخاوف الشركات الصغيرة من تأثير العقوبات الأميركية الأخيرة.

التداعيات المستقبلية والعوامل المؤثرة

يرى حسيني أن تدفق النفط الإيراني إلى شرق آسيا يواجه تحديات متزايدة، سواء بسبب العقوبات المفروضة على الناقلات أو القيود المفروضة على موانئ الاستقبال. لكنه أشار إلى أن الوسطاء التجاريين يواصلون إيجاد حلول للالتفاف على العقوبات، ما يجعل هدف “تصفير” صادرات النفط الإيراني بعيد المنال.

كما أكد أن الإدارة الأميركية تسعى إلى خفض أسعار النفط والبنزين، خصوصًا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، رغم مطالبته منظمة “أوبك” بخفض الأسعار.

وأشار إلى أن نجاح المفاوضات بين واشنطن وموسكو قد يؤدي إلى عودة النفط الروسي إلى الأسواق الغربية، ما قد يدفع الإدارة الأميركية إلى تكثيف جهودها لعرقلة تدفق النفط الإيراني إلى الأسواق الشرقية.

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي علي محمدي أن صادرات إيران النفطية ستواجه تحديات في المرحلة المقبلة بسبب العقوبات الأميركية، لكنه شدد على أن طهران تمتلك خبرة طويلة في تجاوز هذه العقوبات، لا سيما في ظل استمرار الطلب على نفطها من بعض المشترين، سواء من خلال النقل بين السفن أو اعتماد محطات استقبال بديلة.

وأضاف محمدي أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية على الواردات الصينية قد تدفع بكين إلى التمرد على العقوبات المفروضة على إيران. وأوضح أن حجم الصادرات الإيرانية إلى الصين سيعتمد على نتائج المفاوضات التجارية بين البلدين، إضافة إلى مدى تنفيذ الاتفاقات السابقة بين طهران وبكين.

كما استبعد الباحث الاقتصادي أن تقدم البحرية الأميركية على اعتراض شحنات النفط الإيراني في عرض البحر خلال ولاية ترامب الثانية، معتبرًا أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد عسكري مع البحرية الإيرانية.

رهانات طهران وأسواق النفط البديلة

في ظل الحرب الاقتصادية التي تشنها الإدارة الأميركية على إيران والصين، يعتقد المدير السابق للشؤون الدولية بشركة النفط الإيرانية، سيد محسن قمصري، أن استمرار تدفق الخام الإيراني إلى شرق آسيا يعتمد على مدى قدرة بكين على تحدي الضغوط الأميركية، إضافة إلى نجاح الدبلوماسية الإيرانية في إقناع الشريك الصيني بمواصلة شراء النفط الإيراني وعدم اللجوء إلى أسواق بديلة.

وفي تصريح لوكالة أنباء “إيرنا” الإيرانية، أكد قمصري أن شراء النفط الإيراني يعود بفوائد اقتصادية على الشركات الصينية، داعيًا الدبلوماسية الإيرانية إلى تعزيز العلاقات مع بكين لمواجهة العقوبات الأميركية. لكنه أشار إلى أن سياسات الصين في التعامل مع الضغوط الأميركية ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستوى وارداتها من النفط الإيراني.

واختتم قمصري حديثه بالتأكيد على أن الاستغناء عن النفط الإيراني لن يكون خيارًا سهلاً أمام الشركات الصينية، لافتًا إلى أن حتى في حال خفض الصين وارداتها، فإن إيران ستجد أسواقًا أخرى، خاصة في شرق آسيا، لاستيعاب صادراتها النفطية.

زر الذهاب إلى الأعلى