إلى أين يتجه الاقتصاد التركي عام 2024؟
تبدأ تركيا العام الجديد وسط تحديات اقتصادية كبيرة، إذ أطلقت خطة اقتصادية جديدة بعد الانتخابات المقررة في 2023. أعلنت الحكومة عن التحول نحو السياسات التقليدية، مع التركيز على الشفافية والالتزام بالمعايير الدولية، وفقًا لتصريحات وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك.
يأتي هذا التحول بعد فترة من التدهور في أداء الاقتصاد التركي، والتي كانت تنسب إلى السياسات غير التقليدية التي أصر الرئيس رجب طيب أردوغان على تبنيها. وتم الكشف عن برنامج اقتصادي للفترة من 2024 إلى 2026، حيث كشف أردوغان عن تفاصيله في سبتمبر الماضي، رسم فيها خارطة الطريق الاقتصادية للبلاد خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ووفقًا للبرنامج الجديد، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 4% في العام الحالي، مع توقع تراجع معدل التضخم إلى 33% نهاية العام. كما يتوقع أن يكون عجز الموازنة نسبة من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 6.4%، ومعدل البطالة عند 10.3%. يهدف البرنامج أيضًا إلى زيادة قيمة الصادرات إلى 267 مليار دولار بحلول نهاية 2024، والواردات إلى 372.8 مليار دولار.
أثناء حديثه عن البرنامج الجديد، أكد أردوغان أن الهدف هو جعل الاقتصاد مقاومًا لجميع أنواع الصدمات من خلال الانضباط المالي والإصلاحات الهيكلية. كما عبّر عن ثقته في تحقيق تطورات إيجابية في معدل التضخم في الربع الأول من عام 2024.
وفي تقريرها الاقتصادي لعام 2024، توقعت “أونكتاد” أن يتراجع التضخم في تركيا خلال العام الحالي، ولكن مع بقاء المعدل في مستويات خانة العشرات حتى عام 2025. وتوقعت أيضًا أن يحقق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 2.7% هذا العام، وهو رقم أقل من توقعات أنقرة.
أشارت محافظة البنك المركزي التركي، حفيظة غاية أركان، خلال مؤتمر صحفي في أنقرة حيث تم الإعلان عن تقرير التضخم الفصلي للبنك في نوفمبر الماضي، إلى توقعاتها ببدء تراجع معدل التضخم في النصف الثاني من عام 2024. أكدت أيضًا أنه من المتوقع أن يصل التضخم في تركيا إلى ذروته في مايو، وأن سياسة التشديد النقدي ستستمر حتى يتحسن وضع التضخم.
وأوضحت المحافظة أن النصف الأول من العام الحالي سيشهد ارتفاعًا في معدل التضخم، خاصة بعد الإعلان عن زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 49% في يناير الجاري. من جانبه، أشار وزير الخزانة والمالية في تغريدة على منصة “إكس” إلى أن التضخم سيبدأ في الانخفاض خلال هذا العام، وأكد على زيادة قيمة الاحتياطي الأجنبي لدى المركزي، والعمل على إنهاء آلية حماية الودائع بالليرة.
وتتوقع التحسن في خفض عجز الحساب الجاري وترسيخ الانضباط المالي، مع تعزيز أساس النمو المرتفع والمستدام في عام 2024. يعتبر عجز الموازنة من المواضيع الرئيسية لعام 2024 من منظور الاقتصاد الكلي، خاصةً بسبب التكلفة العالية المرتبطة بالزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير 2023، حيث قُدرت التكلفة بأكثر من 100 مليار دولار. ستثقل هذه التكلفة أعباء البنية التحتية ومشاريع التحول الحضري التي ينفذها الحكومة، مما يؤثر على الموازنة العامة.
السياسة النقدية عام 2024
بعد الانتخابات الرئاسية منتصف 2023، تم تعيين شخصيات بارزة لتولي مهام رئيسية في الحكومة التركية، حيث تولى محمد شيمشك وزارة الخزانة والمالية، فيما تم تعيين حفيظة غاية أركان في منصب محافظ للبنك المركزي. هذا الانتقال أحدث تغييرًا كبيرًا في السياسات الاقتصادية بشكل عام والسياسة النقدية بشكل خاص.
اتخذ المركزي تحولًا جذريًا من خلال تنفيذ سياسة التشديد النقدي، وذلك برفع معدل الفائدة من 8.5% إلى 42.5%. هذا التحول يتعارض مع السياسة السابقة التي كان ينادج بها المركزي، حيث كان يعتقد أن حل مشكلة التضخم يتطلب خفض معدلات الفائدة. في هذا السياق، اعتمد المركزي سياسة تقوم على المبدأ “الفائدة سبب والتضخم نتيجة”، وهو توجه يختلف عن الرأي السائد الذي يروج له غالبية الاقتصاديين.
تتجلى الخطوات التي يتخذها المركزي، بما في ذلك استمرار رفع معدلات الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة، كإشارة إلى استمرار السياسات النقدية المتشددة خلال عام 2024. يهدف المركزي من خلال هذه السياسات إلى كبح التضخم والوصول إلى المعدل المستهدف في المدى الطويل، والذي يبلغ 5%.
خفض التضخم
يعتبر الباحث في الشأن الاقتصادي، محمد أبو عليان، في حديثه للجزيرة نت، أن استمرار الضغط الحكومي على الإدارة الاقتصادية لتحقيق معدلات النمو المتوقعة في البرنامج متوسط المدى قد يعقد مهمة خفض معدلات التضخم كما هو مطلوب. يظهر أن هناك تحدياً في محاولة جمع متطلبات متعاكسة.
ويشير إلى أن تحقيق خفض في معدلات التضخم سيتطلب التنازل عن الرغبة في تحقيق معدل نمو مرتفع، مما يتطلب من الحكومة التخلي عن سياسة رفع الحد الأدنى للأجور بمعدلات عالية وتكرارها في نفس العام. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة مكافحة العوامل الأخرى المسببة للتضخم وتشديد الرقابة الحكومية على الأسواق والأسعار.
فيما يتعلق بسعر صرف الليرة، يشير أبو عليان إلى أن توقعات البرنامج متوسط المدى تعتبر طموحة، نظرًا للضغط الكبير على النقد الأجنبي وخاصةً الدولار في السوق التركية. يشير إلى عوامل مثل عجز الميزان التجاري والديون قصيرة الأجل ومعدل التضخم المرتفع كعوامل تسهم في استمرار تراجع قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية.
ويضيف أن الظروف السياسية الداخلية، خاصةً بالنظر إلى الانتخابات المحلية المقبلة في مارس، والتوترات الجيوسياسية في المنطقة تزيد من التحديات التي تؤثر سلبًا على قيمة الليرة.