لماذا يسمح الاحتلال بإنزال المساعدات جوا ويعرقل وصولها برا؟
في الفترة الأخيرة، شهدنا جهوداً متتالية من قبل عدة دول عربية وغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لتنفيذ عمليات إنزال لطرود إغاثية معلقة بمظلات. وقعت بعض هذه الطرود في مياه البحر، بينما وصلت أخرى إلى مستوطنات “غلاف غزة” نتيجة تغير اتجاه الرياح.
أكد جون كيربي، منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأمريكي، ضرورة البحث عن طرق بديلة لنقل المساعدات إلى غزة، مشيراً إلى أن هذا لا يعني استبدال وسائل النقل البرية بالوسائل الجوية، بل ستتم إضافة عمليات إنزال جوي إلى الخيارات المتاحة.
من جانبها، أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن توصيل المساعدات عبر الجو يجب أن يكون خياراً آخر، يتم اللجوء إليه عندما لا يكون هناك بدائل، وعندما يكون من الصعب الوصول إلى المتضررين عبر الطرق البرية.
وأكدت اللجنة الدولية أن الوصول المباشر إلى المناطق المتضررة على الأرض يعتبر الخيار الأمثل لتقديم المساعدات وتقييم احتياجات السكان، مشيرة إلى أن عمليات الإنزال الجوي تحمل مخاطر تهدد حياة السكان، بالإضافة إلى كونها تكلفة عالية ولها تأثير محدود.
يجدر بالذكر أن هناك 7 معابر برية تحيط بقطاع غزة، تتحكم إسرائيل في 6 منها، حيث تم إغلاق 4 منها خلال السنوات الـ17 الماضية. في حين بقي معبرا كرم أبو سالم التجاري وبيت حانون (إيريز) مفتوحين لنقل البضائع والأفراد، وهناك معبر رفح البري مع مصر لنقل البضائع والأفراد أيضاً.
وطرحت شبكة الجزيرة سؤالاً على خبراء ومحللين بخصوص سبب موافقة إسرائيل على عمليات الإنزال الجوي للمساعدات في حين تعرقل مرورها براً إلى غزة، وجاءت الإجابات تشير إلى توافق كبير في الدوافع والأهداف سواء بالنسبة لإسرائيل أو للدول المشاركة في عمليات الإنزال الجوي.
محدودة التأثير
في الوقت الحالي، يسمح إسرائيل بعمليات توزيع المساعدات الجوية، ولكن نقل المساعدات عبر الجانب المصري من معبر رفح شهد انخفاضا بنسبة 50% خلال فبراير/شباط الماضي مقارنة بالشهر السابق، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ويقدر إسماعيل الثوابتة، المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي، أن هناك أكثر من 600 ألف طن من المساعدات مكدسة على معبر رفح، مما يثير السؤال عن العوائق التي تحول دون دخولها، خاصة مع تزايد حالات المجاعة وتزايد عدد الوفيات بسببها.
وفي رأي الثوابتة، تأتي عمليات توزيع المساعدات الجوية في سياق تجاوز الحلول الجذرية، مما يعزز سياسة الاحتلال بالتجويع ويؤدي إلى تفاقم المجاعة دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة.
ويرى الثوابتة أن عمليات توزيع المساعدات الجوية تحمل تبعات خطيرة على السكان في غزة، حيث قد تتسبب في خطر على حياتهم وتشكل تحديًا كبيرًا أمام الأشخاص الذين يحاولون الوصول إليها، إضافة إلى عدم توفرها للجميع وتكاليفها العالية.
وبالإضافة إلى ذلك، يشير الثوابتة إلى أن عمليات توزيع المساعدات الجوية صعبة في بيئة مزدحمة مثل غزة، وقد تتعرض للتلف بسبب الظروف الجوية أو الحوادث، كما أنها لا تضمن توزيع المساعدات بشكل عادل وليست الطريقة الأمثل لتلبية احتياجات السكان.
وفي النهاية، يتفق الثوابتة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن تأثير المساعدات الجوية محدود وتكلفتها باهظة، وأن النقل البري يعتبر البديل الأكثر فعالية وتوفرًا لتأمين المساعدات بشكل صحيح وكافٍ.
أهداف إسرائيلية
في إطار سماح إسرائيل لبعض الدول بتنفيذ الإنزال الجوي، أعربت بعض التصريحات عن الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من وراء هذه السياسة. أحد هذه التصريحات جاء من متحدث باسم جيش الاحتلال، حيث أشار إلى أن “إنزال المساعدات جوا يمكن أن يمكِّن الجيش من التركيز على القتال”. هذا البيان، بحسب خليل شاهين، المدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، يشير إلى موافقة إسرائيل على هذه الوسيلة ويرصد عدة أهداف تريد تحقيقها من وراء ذلك.
أولاً، يعفي الإنزال الجوي حكومة نتنياهو من الضغوط المتزايدة لفتح المعابر المغلقة، أو عدم فرض عقبات على تدفق المساعدات عبر معبر رفح. ثانياً، يمكن للمساعدات الجوية أن تكون غير كافية لإحداث تأثير شامل على حرب التجويع المستمرة، خاصة فيما يتعلق بكمياتها المحدودة، وهو ما يمكن أن يقلل من الضغط على إسرائيل لاستعادة الحياة اليومية لسكان غزة.
ثالثاً، يتيح التركيز على تقديم كميات محدودة من المساعدات الغذائية فرصة للتغاضي عن ضرورة إعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية في غزة، مثل تشغيل المستشفيات وتأمين الاحتياجات الطبية وتشغيل محطات المياه والصرف الصحي.
رابعاً، تعتبر عمليات الإنزال الجوي مبرراً لإسرائيل للادعاء بالتزامها بالإجراءات الاحتياطية المؤقتة التي أصدرتها المحكمة الدولية.
مع ذلك، تثير مخاوف من أن السماح بالإنزال الجوي قد يكون مقدمة لتصعيد الإجراءات العدوانية بحق غزة، بما في ذلك فصل الشمال عن الجنوب وتنفيذ عمليات برية في رفح والسيطرة على معبر رفح.
وفيما يتعلق بالتطورات الأميركية، يوضح شاهين أن موقف إدارة بايدن يعتبر ملفتاً، حيث قد يعني السماح بالإنزال الجوي من قبل الولايات المتحدة لمناطق محاصرة أن الإدارة الأميركية هي شريكة كاملة في الحرب على غزة.
2 تعليقات